في هذا البلد قلّما نذكر غيرنا بالعرفان أو الجميل، وإذا فعلنا فلحسابات ضيقة تشتم منها رائحة التوظيف أو النفاق، وربما كان الواحد من هؤلاء ملء السمع وملء البصر حتى إذا تقاعد أو هرم أو مرض انفضّ الناس من حوله بعدما زال الجاه والسلطان.. في زحمة الحسابات الضيقة أحيانا وفي زحمة الإهمال أحيانا أخرى يضيع البلد فرصا ثمينة لإرساء تقاليد قيمة تأسى على الإنسان وتحتفي بالجمال والحق، كما ينشأ أبناؤنا على بؤس التنكّر والزهد في صنيع الآباء ومآثر الأجداد.. ماذا ينقصنا حتى نكون كالأشقّاء في لبنان أو مصر حينما يصاب المبدع أو المثقف فيهم بمصيبة يهبّون للتخفيف عنه ويحيطونه بالرعاية والمحبة ويقود التلفزيون حملة اهتمام للرأي العام كله باعتبار المبدع ثروة قومية.... تذكرتُ المناسبات الكثيرة التي يفوّت فيها هذا البلد فرص الاعتراف بأبنائه وفضلهم وحتى جدارتهم فيما أنجزوا وأبدعوا.. تذكّرتُ ذلك حتى بدا وكأنه طريقة حياة ونهج عمل ذهب ضحيته عشرات الأسماء من العلماء والقادة والمثقفين، فلا أحد ذكرهم أو أحيا ذكرهم في حياتهم أو مماتهم.. من حق العلماء والمبدعين على هذا البلد أن يحتفي بهم وبأحوالهم الاجتماعية والمادية لأنهم صنّاع الحياة وحراس القيمة والجمال والذكاء، من حقهم ذلك فهم أرباب قلم وفكر وأهل خبرة وبيان في كثير من التخصصات مثلهم كمثل غيرهم، بل هم أجل وأعظم ومع ذلك يحظى غيرهم بالرعاية والدعم كالرياضيين وأهل الغناء والطرب.. أما بعد: من يلتفت للمبدعين ويرفع لهم آي التقدير المادي والاجتماعي؟