بعض التقارير السنوية المتخصصة الصادرة عن هيئات ومؤسسات دولية هامة غالبا ما تكون مؤشرا على مدى نهضة الشعوب وتقدّم المجتمعات، وتفيد حتما كمقياس في مجالات التنمية البشرية والاقتصادية وتعطي القدرة على تحليل بياناتها والاستفادة منها. هذه التقارير لا يصمد أمامها شيء من خطابات الدعاية المحلية في البلدان التي تستاء منها وتراها غير محايدة حتى من تلك الصادرة عن الأممالمتحدة وتوابعها، والسبب كما هو معروف كشفها لمدى تخلف تلك البلدان أو ضعف التسيير والحكم الراشد فيها، وطبعا يقف الوطن العربي في طليعة هذه البلدان وعلى صدارة القائمة. ولكن الذي يثير الاستياء فعلا ليس رد فعل هذه الحكومات والأنظمة التي تحشد ترسانتها الإعلامية لتناول زوايا من هذه التقارير وفق معالجات مبتورة من سياقها لتخفيف وطأتها على الرأي العام أو التلاعب في الفهم أو حتى محتوى الخبر.. إن بعض هذه التقارير غير مؤدلجة ولا موجّهة من جهات معينة غرضها غير نزيه أو هدفها ضرب استقرار البلد وما شابه من هذا الخطاب، ولذا لا يمكن إخفاء حالة اليأس التي تنتاب من يطّلع عليها، وخاصة إذا تعلّقت بالبحث العلمي وبالقراءة وبالحريات وبالتغطية الصحية وما إلى ذلك.. ومن هذه التقارير الجادة التقرير الذي يتضمن الإحصاء السنوي للمنظمة العالمية للملكية الفكرية والذي يكشف عن هوة واضحة بين عدد طلبات براءات الاختراع العربية وبين ما توصلت إليه بعض دول المنطقة مثل تركيا وإسرائيل. فالعرب حصلوا على 173 براءة اختراع عام 2008 مقابل 367 لتركيا أما إسرائيل ف 1882.. التقرير يثير الإحساس بالغثيان حقا ويجهر بأننا أمة تنتج التخلّف بامتياز، فالجزائر التي تحصي 36 مليون نسمة ومئات الآلاف من الكوادر والخبراء لم تحصل سوى على 11 براءة اختراع، ولكم أن تبكوا على خطاب التبرير أو التدوير أو التسويف.. لن نقارن أنفسنا بالصين أو كوريا حتى لا نتهم بالهبال، بل نقول إن بلدا هو ماليزيا حصل على 177 براءة اختراع في مجالات هامة كالحواسيب والبرامج والدواء. مسافة التقدم إلى مربع الحضارة والتاريخ لا تتطلّب أكثر من الالتفات إلى الإنسان لأنه المركز وما دون ذلك مجرّد أطراف.. وهذا بالضبط الفرق بين براءة الاختراع وبراءة الاخترا... ! أما بعد: "ما من مصيبة نكبة أمنى بها إلاّ تشرفني وتُضم شاني إنّ إذا خفي اللئام وجدتني كالشمس لا تخفى بكل مكان".