الحركية التي يعيشها حزب جبهة التحرير الوطني، قبل الاستحقاق الرئاسي الأخير أو بعده تجعله محط أنظار جل المتتبعين، لكن التعاطي مع الأفلان يبدو من حين لأخر مشدود إلى مواقف مسبقة حتى لا نقول سيناريوهات مطبوخة تهدف إلى إضعافه، سواء من خلال القراءات المغلوطة لطبيعة الخلافات التي قد تنشأ من حين لأخر، أو من خلال الترويج ل "صراعات" انتهت منذ أمد بعيد ولم يعد لها وجود إلا في مخيلة البعض. لقد تحول المؤتمر الاستثنائي إلى أداة لإعادة تحريك الجدل حول ما سمي ب "الصراعات" في بيت حزب جبهة التحرير الوطني، والملاحظ أن التعاطي مع هذا الموضوع يتم من خلال سلاح الإشاعة الذي يستعمل هذه المرة بغية خلق صدامات من العدم وإعادة بعث الحياة في بعض الخلافات التي انتهت منذ فترة ولم يعد أحد يسمع بها حتى وسط من كانوا يسمون في فترة معينة، خاصة بعد التشريعيات الأخيرة بالغاضبين على قيادة الحزب. لقد سمعنا مؤخرا حديثا عن المؤتمر الاستثنائي، ولم يتم تناول الموضوع لا من ناحية التحليل أو حتى التكهنات التي عادة ما تطبع وسائل الإعلام في ظل شح المادة الأولية وهي المعلومة، وتحدث البعض عن المؤتمر الاستثنائي بصفة التأكيد وزعم أن انعقاده سوف يكون في الأشهر القليلة المقبلة، وحتى تصبح المعلومة قابلة للتصديق قيل بأن أصحابها من العناصر الفاعلة المنتمية إلى "تيار المناوئين" لقيادة الحزب العتيد، وبطبيعة الحال أضيف لهذه "المعلومة" بعض التوابل ومنها أن قيادة الحزب العتيد راسلت وزارة الثقافة من أجل حجز القاعة البيضاوية وأن وزارة خليدة تومي رفضت طلب الأفلان بسبب المهرجان الإفريقي الثاني المرتقب الصائفة المقبلة. والمؤكد أن من يتحدث عن صراعات داخل الجبهة في هذه الأيام يجهل طبيعة الحزب وأسلوبه في إدارة النقاش بين مناضليه، ويتعمد شطب كل جولات الحوار التي تمت مع قيادة الحزب والتي أنهت منذ فترة طويلة أي حديث عن تيار معين مناوئ أو غير مناوئ داخل بيت الجبهة، ومن جهته وصف عضو أمانة الهيئة التنفيذية للأفلان السعيد بوحجة بأن الأمر يتعلق بإشاعة يروج لها البعض لزرع البلبلة وسط المناضلين وضرب استقرار الحزب، ونفى المكلف بالإعلام والاتصال في حزب جبهة التحرير الوطني أن تكون قيادة الحزب العتيد بصدد التحضير لعقد مؤتمر استثنائي، والمعروف أن الجهود منصبة على مسألة التحضير للمؤتمر العادي المتوقع في بداية 2010 كما يرتقب أن يتم تنصيب اللجنة المكلف بتحضير هذا الحدث السياسي الهام خلال الأيام المقبلة. والكل يعرف من يهمه أمر المؤتمر الاستثنائي، ومن في مصلحته أن يروج لمثل هذه المعلومات المفبركة عبر السبق الإعلامي المصطنع، فالذين عجزوا عن بعث الصراع وسط صفوف الحزب العتيد بعد المؤتمر الجامع، أو الذين خيبت أمالهم في إحداث شرخ أخر بين صفوف الجبهة بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة، وجدوا فرصة سانحة جديدة لإيهام الجميع بان الأفلان لا يزال يعيش على تركة الماضي وأن انقسامه لا زال ممكن رغم خطاب القيادة الذي تقول بعدم وجود أي نوع من الصراع داخل بيت الحزب العتيد، فالحديث عن مؤتمر استثنائي قد يدفع إلى الاعتقاد بأن الأفلان مقبل ربما على هزات عنيفة في المستقبل، ناهيك عن الآثار المدمرة التي قد يحدثها مثل هذا الصنف من الإشاعة بالنسبة للمناضلين خاصة وأن عملية الهيكلة وإن أشرفت على نهايتها، إلا أنها لا تزال متواصلة في بعض المحافظات. ولن نبالغ إذا قلنا أن "التسريبات" التي يقف وراءها البعض لها علاقة بحرب خفية تدار ضد الحزب العتيد وليس ضد قيادته فحسب، فهناك أطراف سياسية وغير سياسية كثيرة يهمها أن يدخل الأفلان في دوامة صراعات طاحنة تأتي على قوته وتحطم كل المكتسابات التي حققها منذ عشر سنوات وخلال كل الاستحقاقات الأخيرة، والذين يستهدفون الحزب العتيد قد يفعلون ذلك من منطلق مصالح سياسية معينة أو من منطلق حسابات أخرى وأهداف تتجاوز القيادة الحالية إلى أعلى نقطة في هرم الدولة. فما هي القراءة التي يمكن أن نبنيها فيما يتعلق بمختلف التعاليق التي واكبت تجديد الثقة في حكومة أحمد أويحيى، أو حتى قبلها، مع تعيين مدراء حملة بوتفليقة خلال الانتخابات الرئاسية للتاسع من أفريل المنصرم، علما أن البعض ذهب في اتجاه تفسير سياسي غير بريء يحاول أن يصور من خلاله بأن الأفلان هو الخاسر دوما أمام حليفه الأرندي، وزعم البعض أن بوتفليقة قد عين عبد العزيز بلخادم وزيرا أولا خلفا لأحمد أويحيى لساعات قبل أن يقرر الاحتفاظ بنفس التشكيلة الحكومية،وهذا الكلام ينطوي في الواقع على رسائل كثيرة يحاول من خلالها أصحابها إثارة البعض داخل بيت الحزب العتيد، علما أنه سبق لأمين عام حزب جبهة التحرير الوطني أن نفى هذه الإشاعة، كما كذبتها مصادر مختلفة أكدت كلها بأن مسألة إعادة تعيين أويحيى على رأس الجهاز التنفيذي كانت منتظرة. وفي تقدير البعض فإن "الحمالات الموسمية" التي تحاول استهداف حزب جبهة التحرير الوطني في كل مرة خاصة مع ظهور مؤشرات لقرارات سياسية بمعينة وحاسمة تنطلق من مسألة هامة وهي أن الحزب العتيد بوحدته وبقوته وبوصفه القوة السياسية الأولى في البلاد قد يشكل عائقا أمام البعض وقد ينظر إليه البعض الأخر كعنوان لكل التغيرات السياسية الكبرى التي تشهدها الجزائر منذ 99، خاصة بعد الدور الكبير الذي لعبه الأفلان في إنجاح مسار السلم بدءا بقانون الوئام المدني ووصولا إلى ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، وفي إنجاح التعديل الدستوري الأخير والانتخابات الرئاسية، ولن نخطئ إذا قلنا بأن الذي يستهدف الأفلان أو يحاول إضعافه إنما يستهدف الرئيس بوتفليقة والقوة السياسية التي يتمتع بها.