حيث يقضون ساعات طوال أمام شاشات الكمبيوتر الذي تفتح لهم آفاقا رحبة تمكنهم الإبحار في فضاءات وعوالم لا محدودة توفر الكثير من المعارف والمنافع لمن يطلبها، والفتن والمفاسد لمن يبحث عنها أيضا• وتمكن هذه التكنولوجيا المرء من الانتقال عبر جسورها إلى عالم مدهش ومثير تحجب فيه الشاشات، فتوفر بذلك جوا من العزلة عن العالم الخارجي فاسحة المجال علنا أمام الشباب ضعاف الأنفس الإبحار في الحرام والممنوع والمشبوه، في ظل انعدام أي رقابة ذاتية من جهة، وكثرة المغريات من جهة أخرى• "الفجر" ارتأت تسليط الضوء على هذه الظاهرة التي أصبحت سمة تطبع سلوكيات غالبية شباب اليوم، الذي انتهج الإبحار في المحيطات الساخنة والحمراء لهذه الشبكة العنكبوتية، فلاحظنا انجذاب الجيل الناشئ نحو هذه الإغراءات، ما يؤدي غالبا إلى تلاشي المناعة الذاتية والتشبع بقيم وثقافات أجنبية دخيلة تختلف تماما عن قيم وثقافة مجتمعنا المحافظ• المواقع الإباحية غير محجوبة والرقابة حل مؤقت قصدنا أحد مقاهي الأنترنت ببلدية ديدوش مراد في قسنطينة، فلاحظنا أنه مجهز بأحدث ما وصلت إليه تكنولوجيا العصر من أجهزة وخدمات بتراخيص من الجهات الرسمية المسؤولة• أخبرنا صاحبه "أمين" أن مقهى الانترنيت الذي يملكه يرتاده شباب وشابات من مختلف الفئات العمرية والمستويات التعليمية، يستخدمونه إما لفتح بريدهم الالكتروني أواستخدام خدمة "التشات"، أو الدخول إلى المواقع المعرفية، أما المواقع الإباحية فقال "لا أنكر بأنها غير محجوبة تماما ولكن نحن في هذا المقهى دائما نفرض رقابة مستمرة على أجهزتنا"•. فمن خلال الجهاز الموجود أمامه يستطيع مراقبة كل زائر إن كان دخل إلى تلك المواقع أم لا، وإن حصل ذلك وفتح أحد الزوار هذه المواقع يوجه له إنذارا، وإن تكرر الأمر يتم منعه من الدخول إلى المقهى مرة أخرى• ويرى المتحدث أنه من الصعب فرض رقابة على مستوى مقاهي الأنترنيت جميعها، مشيرا إلى وجود محلات أخرى يسمح فيها تصفح المواقع الإباحية، مؤكدا أن الدور الحقيقي يقع على عاتق الأسرة بصفتها اللبنة الأساسية في تكوين شخصية الطفل، فأسلوب الأبوين في التربية ينعكس على شخصية الأبناء، خاصة وأن التكنولوجيا الحديثة أصبحت في متناول الجميع• الأسرة مسؤولة على مراقبة أبنائها وليس المجتمع غير أن واقع العديد من مقاهي الانترنت المنتشرة عبر مختلف أحياء قسنطينة يقول عكس ذلك، فالهدف الرئيسي الذي يسعى إليه أصحاب هذه المقاهي الكسب المادي• ففي نظر العديد منهم هي تجارة مربحة ولا دخل لهم بتبعاتها على المراهقين والأطفال• ويرى صاحب مقهى إنترنيت آخر وسط مدينة قسنطينة أن المسؤولية تقع على الأهل أولا، ثم على الشخص الذي يزور هذه المواقع ثانيا• ويضيف أن التدخل في شؤون الآخرين، خاصة إذا ما كان الشاب مراهقا يدخلك في صراع معه، حيث يعتبرها كبح للحرية الشخصية، في حين أن غالبية الأطفال يستعملون الانترنيت بغرض الاستمتاع بمختلف ألعاب الفيديو "لكنهم سرعان ما يغوصون في مثل هذه المواقع عن طريق الصدفة من خلال رسومات كاريكاتورية يدفعهم الفضول لاكتشافها"• وفي هذا السياق تقول إحدى الأمهات: "كنت حريصة على منع أطفالي من ارتياد مقاهي الأنترنت، لكنني فوجئت ذات يوم عندما أخبرني جاري أن ابني يذهب خلسة إلى هناك، فاقتفيت أثره لأصدم بتصفحه لأحد المواقع الفاضحة، ولما استفسرت عن ذلك أخبرني بأنه وجد الموقع مفتوحا عند جلوسه مع صديقه الذي يكبره سنا، مبررا بنسيان الشاب الذي كان قبلهم إغلاق الموقع"، وتضيف الأم قائلة إنني اكتشفت أن احتكاك طفلي بأصدقاء أكبر منه السبب في تعرفه على مثل هذه المواقع• المواقع الإباحية قنبلة موقوتة وشباب اليوم غير محصن وفي هذا الصدد يقول أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة، أن البعد عن القيم الإسلامية وعدم التشبع بالثقافة الدينية عوامل ساعدت في تشتت شباب اليوم الغير محصن أمام هذا السيل الجارف لمثل هذا الغزو الثقافي اللاأخلاقي، والذي يعمل الغرب على محاربته في عقر داره• فكيف لنا نحن المتشبعون بالثقافة الإسلامية الأصيلة أن نسمح لأنفسنا أن نكون أداة لتحطيم أبنائنا دون وعي منا بعواقب تجاهلنا لوضع يزداد تفاقما يوما بعد يوم في ظل غياب أي رقابة للجهات المسؤولة، وعدم وجود نصوص قانونية تحمي المستهلك لهذه التكنولوجيا الحديثة من مواد سامة تسري في فكر شبابنا سريان السم في البدن، فالحل يكمن في ضرورة حجب هذه المواقع عن المستهلك أولا، والعمل على تقوية الوازع الديني لدى الأفراد ثانيا، من خلال تكثيف الجهود وتوحيدها سواء من طرف الأسرة أوالمدرسة أوالمسجد.. وبذلك نتصدى لهذا الهجوم اللاأخلاقي ونعيد التوازن لشبابنا، وبذلك نحمي المجتمع بأسره من تداعيات هذا الغزو الهدام•