في غمرة التطور التكنولوجي الهائل وفي زحمة انفتاح الجزائر على عالم الأنترنت بدون ضوابط، بدأت ظاهرة انضمام جزائريين لما يسمى ب" الحياة الثانية" في العامل الافتراضي عبر النت في الاتساع، وهو أمر ينبئ بخطر داهم ليس على المجتمع الجزائري فحسب وإنما على المجتمعات الإسلامية كلها التي تؤمن وفق معتقداتها الدينية أن الحياة الثانية ليست سوى "الآخرة" حيث هناك الجزاء والعقاب الأبدي.. أما "الحياة الثانية" التي تقترحها التكنولوجيا الحديثة فهي رغم كونها حياة خيالية مائة بالمائة ولا يعيشها الشخص إلا فوق كرسي وأمام شاشة كمبيوتر، إلا أنها توفر كل أسباب المتعة والهروب من الواقع بكل مآسيه الاجتماعية والسياسية و النفسية. وقد يتفاجأ القارئ عندما يعلم أن مواطني "الحياة الثانية" على الأنترنت يتجاوز عددهم سبعة ملايين نسمة من مختلف الجنسيات والديانات حتى وإن كانت حصة العرب والمسلمين ضئيلة، ولهذا بدأت حكومات البلدان المتقدمة إلى مراقبة يوميات هذه الحياة الجديدة، خصوصا في ظل وجود ملامح الحياة العامة عليها، كشراء وبيع الأراضي، وبناء محلات ومراكز تسوق وتحويل العملات، وآخر المستجدات في هذه الحياة الثانية تقول أن حكومة السويد افتتحت سفارة لها هناك بعدما اشترت قطعة أرضية عليها بأموال حقيقية وذلك بغية التعريف بدولة السويد، بينما أقدم برلماني ياباني يدعى سوزوكي على فتح مكتب للاستشارة بغية مناقشة السياسات مع مواطني الأنترنت، في الوقت الذي افتتحت وكالة رويترز للأنباء مكتبا لها في الحياة الافتراضية، وأكثر من ذلك قامت شركات عالمية للسيارات كتويوتا وهوندا بفتح فروع افتراضية في الحياة الثانية ! وفيما يبدو أن الأمر ممتعا لدخول الحياة الثانية عبر موقع إلكتروني تشرف عليه شركة "ليند لاب" الأمريكية، بدليل إقدام دولة ووكالة أخبار شهيرة وشركات سيارات عملاقة على هذه الخطوة، هناك جوانب سيئة جدا تستحق التنبيه فيما يخص الانتقال إلى الحياة الثانية، تتعلق أساسا ب" استقالة" الناس من الحياة الحقيقية هروبا من صعوبات الحياة إلى فضاء الخيال في الحياة الثانية التي تمكن الفرد من إنشاء شخصية جديدة وتمكنه حتى من امتلاك أب وأم جديدين، وتستطيع كذلك أن تتزوج وتعيد الزواج في هذه الحياة وأن تمتلك جزيرة، وهي طبعا مشكلات عويصة يعاني منها ملايين البشر في الحياة الحقيقية، ومنهم الجزائريون طبعا. وبعد ظاهرة الهجرة عبر قوارب الموت إلى أوروبا، اكتشف الجزائريون ظاهرة الهجرة إلى " الحياة الثانية"، وفي هذا السياق يؤكد الدكتور حميدي في تصريح ل" الشروق اليومي" تعليقا على الظاهرة بالقول أن " مريضا يعالج عنده أخبره بأنه مواطن في الحياة الثانية وعمره في هذه الحياة 30 سنة وطوله 180 سم وذو شعر طويل، ولديه الكثير من المعجبات، لكنه حياته في الواقع مختلفة جذريا فعمره الحقيقي 40 سنة وطوله لا يتعدى 162 سم كما أنه أصلع ولا يستطيع ربط علاقات مع الجنس الآخر"، وعلى هذا الأساس قدر الدكتور حميدي أن " أغلب مواطني الحياة الثانية مصابون بالكبت النفسي، وهم يبحثون إما عن الجنس أو الربح السريع أو الهروب من الواقع عبر تقمص شخصية ثانية مثالية لم يستطيعوا تحقيقها واقعيا". رمضان بلعمري