"على القضاة أن يتحفظوا في معالجة القضايا المتعلقة بالحريات الدينية لحساسيتها". التقرير السنوي حول حقوق الإنسان لسنة 2008 يسلم الأسبوع القادم. ركزت اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان، في الصياغة النهائية لتقريرها السنوي حول حقوق الإنسان في الجزائر لسنة 2008، على عدد من المسائل التي تتطلب تدخلا من السلطات العليا للبلاد، وإصلاحا بهدف ترقية الحقوق واحترامها وغلق باب انتقادات المنظمات الحقوقية الوطنية والأجنبية، الذي يعود غالبا إلى سوء الفهم أو سوء التطبيق. وأوضح رئيس اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان، فاروق قسنطيني، أمس في تصريح ل"الفجر"، أنه من ضمن المقترحات المرفقة في التقرير السنوي، الذي سيودع لدى رئاسة الجمهورية الأسبوع المقبل بعد خضوعه للمراجعة والتصحيح، إعادة النظر في مسألة الحبس المؤقت، عقوبة الإعدام وممارسة الشعائر الدينية، بالإضافة إلى إجراءات تتعلق بنوعية الأحكام القضائية. وبغض النظر عن المسائل التقليدية التي تتناولها اللجنة في تقاريرها السنوية حول واقع الحريات والحقوق في الجزائر، فقد تطلبت بعض الأحداث المسجلة في 2008 لفت انتباه رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة إليها، خاصة تلك المصنفة من قبل لجنة فاروق قسنطيني ضمن المسائل التي تمس بسمعة الجزائر على المستوى الخارجي. ويتعلق الأمر بقانون ممارسة الشعائر الدينية المطبق منذ السنة المنصرمة، والذي قال عنه قسنطيني أنه تلقى الكثير من الانتقادات والمساءلات بشأنه من قبل منظمات حقوقية دولية، وكذا الولاياتالمتحدةالأمريكية. وأكد المتحدث على أن حق الدولة في مراقبة ممارسة الشعائر الدينية داخل ترابها، يتطلب العمل بكل تحفظ نظرا لحساسية الملف. وأشار في ذات السياق إلى "الفوضى" التي أحدثتها بعض القضايا المعالجة على مستوى المحاكم منذ دخول قانون ممارسة الشعائر الدينية حيز التنفيذ، وانتهت ب"لاشيء"، حسبه. مؤكدا ضرورة "دراسة هذا النوع من الملفات في المحاكم بكل تحفظ، تفاديا للمساس بسمعة الدولة "الديمقراطية"، وإثارة الانتقادات الخارجية، ليس بسبب خطورة القضايا ولكن "كونها جديدة بالنسبة للقضاة ومعقدة أحيانا". من جهة أخرى، دعت اللجنة في ذات التقرير، السلطات إلى اتخاذ إجراءات تساهم في تحسين نوعية الأحكام القضائية التي لم تبلغ المستوى المطلوب، على حد تعبير رئيسها، مستدلا بنقص الخبرة لدى بعض القضاة، وكذا الضغط الذي يعانيه هؤلاء بسبب تكدس قضايا يصل عددها إلى 150 ملف أسبوعيا، وهو ما ينعكس مباشرة وسلبا على نوعية الأحكام. واقترح فاروق قسنطيني مضاعفة عدد القضاة من أجل تمكينهم من تخصيص الوقت الكافي لدراسة كل قضية وإصدار الحكم فيها، في وقت قال "إن وزارة العدل تتكفل بالشق المتعلق بالتكوين بشكل مقبول". وفيما يخص قطاع العدالة دائما، أكدت اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية حقوق الإنسان ضرورة العمل على تقليص نسبة الحبس المؤقت، إلى أقل من 10 بالمائة، باللجوء إلى الرقابة القضائية، وهو المطلب الذي تتمسك به اللجنة منذ سنوات، وتركز عليه بشكل أكثر، بعد سلسلة الزيارات التي قامت بها لجنة مصغرة عنها لعدد من المؤسسات العقابية في مختلف ولايات الوطن، واكتشاف حالات سجن لأسباب غير ضرورية، كتلك التي ينص عليها القانون. وعن ملف الصحة في الجزائر وحق المواطن في العلاج، اقترح التقرير اتخاذ إجراءات لتصحيح أوضاع بعض المستشفيات التي لا تليق تماما لتوفير خدمة العلاج بسبب افتقارها للأجهزة الطبية وقدمها كهياكل تجعلها خارج التصنيف، وهو ما وقفت عليه اللجنة في زيارة لعدد من المستشفيات، رغم الغلاف المالي الذي خصصته الدولة لقطاع الصحة، دون أن ينعكس على على حق المواطن في العلاج. كما حمل تقرير اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان المقترح المتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام وحصرها على جرائم القتل العمدي مع سبق الإصرار والترصد، والتي تدخل في إطار الحملة المنظمة للجنة والساعية إلى غلق باب آخر من انتقادات منظمات حقوق الإنسان الدولية للجزائر، بسبب إبقائها على هذه العقوبة، رغم وقف تنفيذها منذ 1993. وعن مصير مقترحات اللجنة الوطنية الاستشارية لترقية وحماية حقوق الإنسان المرفقة في التقرير، قال قسنطيني "إن مهام لجنته تتوقف عند تقديمها، في انتظار رؤية بعضها تتجسد على أرض الواقع مع مرور الأيام".