يعتبر الشاعر العربي القديم، سُحَيم عبد بني الحسحاس، أول شاعر عبر عن فكرة الزنوجة، قبل أن يتناولها ليبولد سيدار سنغور وإيمي سيزار وغيرهما من الشعراء الأفارقة بزمن طويل، وقرون ممتدة.. ذلك أن هذا الشاعر أشار إلى أزمته الإنسانية مع بشرته السوداء في كثير من شعره ومنه قوله:'' فلو كنت وردًا لونه لعشقنَني/ ولكن ربي شانني بسواديا''•. أي لو كنت أبيض البشرة لعشقتني النساء ولكنني خلقت أسود اللون• ويذكر التاريخ أيضا معاناة بعض شعراء العربية الجاهليين من أمثال عنترة والسليك بن السلكة•• ممن كانوا يسمون غربان العرب لأنهم كانوا سودا• أما اليوم فقد تغيرت الأمور كثيرا، حتى وإن عانت القارة الإفريقية ما عانت، مما جعل شاعرا كمحمود درويش يكتب ذات يوم في إحدى قصائده ''هل يأذن الحراس لي بالانحناء أمام القبور البيض يا إفريقيا''• وفي ذلك ما فيه من الإدانة للميز العنصري الذي طال الأفارقة وكان سببا في معاناتهم مع نظام الأبارتايد وحتى في أمريكا وما عاناه السود من تفرقة من قبل البيض• ولم يكن ما تحقق إلا بفضل تضحيات مارتن لوثر كينغ في أمريكا، ونيلسون منديلا في جنوب إفريقيا• وصار لابأس بالأمر، وربما من الجيد أن تكون إفريقيا أسودا، بعدما وصل أوباما إلى ما وصل إليه من رئاسة العالم، وهو ذو الأصول الإفريقية السوداء• إن من سموا إفريقيا بالقارة السمراء، كانوا في الحقيقة يقصدون السوداء على اعتبار أن غالبية سكانها من السود، لكنهم لم يفعلوا ذلك حفاظا على مشاعر سكانها من البيض، ولذلك اختلقوا لها لونا بمثابة الرمادي بين الأبيض والأسود، هو الأسمر الذي هو أسود أخطأ طريقه نحو الأبيض، ولكنه بالتأكيد ليس هو الأبيض• أقول هذا الكلام ربما كي أصل إلى الحديث عن المهرجان الإفريقي الذي ستحتضنه الجزائر للمرة الثانية، بعد ذلك الذي لم أعد أتذكر منه غير مريم ماكيبا، وهي تغني ''أفريكا هي هواي'' بلغة أرادها بومدين إفريقية عربية، وبين المرتين تغير الكثير، ولم يعد بومدين ولا ماكيبا نفسها بين الأحياء. فبأي لغة بعدهما ستتكلم إفريقيا• لقد تفتح وعينا على أن إفريقيا هي الفضاء القاري الذي ننتمي إليه جيوسياسيا، وهو فضاء من ضمن فضاءات كثيرة: إسلامية، عربية ومتوسطية ومغاربية• اختلطت علينا ولم نعرف الحدود الفاصلة بين هذا وذاك• أحيانا أسمح لنفسي بتجاوز طابوهات الخطاب السياسي فأتساءل: هل نحن الجزائريون أفارقة حقا أم متأفرقون فقط، وإذا كنا كذلك فأي الدلائل تثبت أفريقيتنا؟ وأين تتجلى مظاهر هويتنا الإفريقية في مجالات الإبداع والثقافة والعادات واللباس؟ وأين ألوان إفريقيا وعاداتها وصحراؤها وإيقاعاتها في ثقافتنا وأدبنا وحياتنا• وفيم يتمثل البعد الإفريقي في كل ذلك؟ إذا كان ما يجمعنا بإفريقيا هو الجغرافيا والتاريخ الاستعماري المشترك فقط، وغنيمة الحرب المشتركة بيننا فإنني متأسف، وأنا في هذه الحالة منفي في أقدم قارة••