نقل موقع المهرجان الثقافي الإفريقي حوارا مطوّلا مع الكاتب الجنوب إفريقي أندريه بلينك صاحب رواية "الليل الأسود"، كشف من خلاله عن حلمه بأن تكون الجزائر نقطة ومركز انطلاق نشر أعماله باللغة العربية، ليكتسب قرّاء بالعربية. وقال الكاتب أنّ العناية التي أحيط بها في الجزائر والتي فاقت تصوّره، ربّما تستدعي تحقيق أمنيته في كتابة نصّ عن الجزائر وذلك بترك التجربة الأولى في الجزائر التي يزورها لأوّل مرّة تختمر أكثر وتنكشف بداخله ليستجمع الذكريات والمواقف والانطباعات، مؤكّدا في السياق أنّه سيكرّر الزيارة قريبا ولن ينتظر 40 سنة ليحقّق ذلك وعبّر عن أمله في أن ينظّم المهرجان الثقافي الإفريقي كلّ ثلاث أو أربع سنوات حتى تترك الأمور تتّضح أكثر لنحقّق الحيوية والجدوى. وأشاد بلينك بدور الجزائر التي بعثت ضرورة التواصل في نفوس الأفارقة وليس الاجترار وتكرار الحدث بسطحية ليكون الموعد القاري محطّة للإبداع والابتكار، ورغم اعتقاده أنّ تحقّق "الأفريقانية" حاليا هو طموح مثالي لكن المهرجان الثقافي الافريقي بالجزائر وباقي التجارب وما يحيط بها من لقاءات إنسانية يمثّل إمكانية تحقيق "الأفريقانية". ووصف أندريه بلينك برنامج المهرجان بالثري والمتنوّع شبه الاحتفال بإفريقيا كجسد وروح واحدة، وقد أعجب وزوجته خلال تجوّله بالعاصمة وبشوارع القصبة العريقة، وتعرّف على كلّ خبايا الحي، كما زار المنزل الذي ولد فيه الكاتب الكبير ألبير كامي ومدرسته ومنزله في تيبازة، وقد استرجع في رحلته قامة كامي وتتبّع خطاه التي لمحها في كلّ مكان عاش فيه، بحيث لمس تلك الأشياء التي كتب عنها في رواياته وفي طبيعة الجزائر الساحرة، وقد اكتشف الروائي مبكّرا فكر وإبداع ألبير كامي وهو في الجامعة بجنوب إفريقيا وتدعّم أكثر من خلال دراسته بباريس وتعمّقت رؤيته للمفاهيم وفلسفة كامي وعقليته وهو اكتشاف أثرى تجربته فيما بعد، على حدّ قوله. وعاد الأديب في خضم حديثه للنقاش الذي ساد في الطبعة الأولى للمهرجان الثقافي الإفريقي 1969بين المثقفين الأفارقة حول مفهوم الزنوجة، وتناقش الجزائر حاليا في 2009 وهي تحتفل بعد 40 سنة بالمهرجان الثقافي الإفريقي الثاني، مواضيع الأسطورة والحداثة وأوضح أنّ الزنوجة حركة رومانسية تبنّاها ليوبولد سنغور وإيمي سيزار وتمحورت النقاشات حول "الزنوجة" لأنّها شكّلت لحظة اكتشاف الأمّ إفريقيا، والبحث في عناصر الهوية الإفريقية، وتبعث المعرفة والوعي لما يحدث لكن فيما بعد أصبح الأمر أخطر بإعادة فهم ماذا يعني أن نكون زنوجا سودا وقد شكّلت الزنوجة كفكر وعيا سياسيا. وتأسّف بلينك لأنّه لم يلتق بالشاعر الكبير سنغور لكن حالفه الحظ في لقاء إيمي سيزار الذي وجد فيه رغم تقدّمه في السن صدقا عميقا وإيمانا قويا في المعنى أن تكون زنجيا وكبيرا والانتماء للقارة الإفريقية بكلّ ما تحمله من إرث، وهذا ما أثاره وحاول فهم معنى التشبّث بالوعي والهوية الإفريقية وتجربة أن تكون زنجيا خلال مرحلة ما بعد الحرب العالمية 2 في عالم فوضوي يحكمه البيض بسلطتهم. وأكّد في اتّجاه آخر أنّ إفريقيا هي منبع السحرية الواقعية وليس أمريكا اللاتينية، لأنّ كلّ التجارب والتقاليد الشفوية وتراث الحكي ولدت بالقارة الإفريقية منذ القديم لكن للأسف هناك جهل بما ينتجه المبدعون الفرانكفونيون من إبداع في العالم الأنجلوفوني ما يؤدّي إلى مثل هذه التصنيفات، مشيرا إلى أنّ التجربة الإفريقية مع الواقعية السحرية متجذّرة، وذكر مثال الكاتب النيجيري توتو أولا الذي كتب السحرية الواقعية الصافية في النصف الأول من القرن ال 20 بالغوص في تفاصيل التقاليد الشفوية الإفريقية وتتواصل إلى اليوم عبر تجربة بن أوبري الذي كتب بالانجليزية ويفتكّ مكانة قوية في الغرب. ويرتقب أن يقوم الكاتب بنشر مذكراته بعدما أقنعه الناشرون، حتى تكون لحظة التوقّف ومحطة للتمعّن والتأمّل في مسيرته وليعرف موقعه، معترفا أنّه لم يكتب كلّ الحقائق في مذكراته وواعيا بذلك وترك بعض الحقائق لينشرها لاحقا كجرعات جديدة تستدعي منه الوقت ليكتبها.