يعود تاريخ الزوبعة السياسية الفرنسية إلى نوفمبر 2007 حينما قررت القاضية الحديدية سيميونيه التحقيق في الوظائف الوهمية المفترضة التي استفاد منها تسعة موظفين ما بين 1992 و1995 قبل تحول شيراك من عمدة بلدية باريس إلى رئيس جمهورية· وجاءت دعوى سيميونيه مضادة وطاعنة لقرار النيابة العامة بانتفاء وجه دعوى قضائية جديدة ضد شيراك عمدة باريس ورئيس الجمهورية السابق· وتصدرت قضية الوظائف الوهمية واجهة الإعلام عام 1995 مباشرة بعد فوز شيراك بالانتخابات الرئاسية بعد أن تربع على عرش بلدية باريس مدة 18 عاما كاملة، إثر خروج جورج كيمار أحد موظفي البلدية عن صمته وتأكيده على توظيف عدة مقربين من عمدة البلدية شيراك بصفة وهمية، في الوقت الذي كانوا يعملون فيه لصالح حزب التجمع من أجل الجمهورية· ومن الشخصيات التي سيتابع بسببها شيراك قضائيا بتهمة التحويل المالي العمومي غير الشرعي وسوء الائتمان، ميشال روسان، وريمي شاردو، وروبير بوندرو، وبرنار بلاد، وميشال دوشاريت زوجة هيرفيه دوشاريت وزير الخارجية السابق، وجان ديغول حفيد الجنرال شارل ديغول، وفرانسوا دوبريه شقيق جان لوييه دوبريه الصديق الحميم لشيراك ووزير الداخلية السابق و29 مسؤولا آخرين كانوا يشتغلون رسميا كمكلفين بمهمة في بلدية باريس· وقد تراوحت ردود الفعل السياسية التي تتهاطل على وسائل الإعلام منذ الإعلان عن خبر متابعة شيراك قضائيا بين التعاطف اليساري العام مع رئيس الجمهورية العجوز - 77 عاما - والسكوت اليميني ممثلا في الأغلبية الشعبية الحاكمة والإجماع المبدئي على شرعية المتابعة القضائية في بلد مازالت العدالة تشكل فيه استقلالية مشرفة· وكانت سيغولين روايال المرشحة الاشتراكية المنهزمة من الشخصيات اليسارية الأولى التي قالت إن شيراك لا يستحق المصير الذي آل إليه في خريف العمر، وأنه من الممكن تجاوز القضية التي يعود تاريخها إلى أكثر من عشرين سنة، وملاحقة شيراك الذي قدم الكثير لفرنسا قضائيا بهذه الطريقة لا يمكن إلا أن يزيد في الحط من صورة وسمعة فرنسا· وتعاطف فرانسوا هولند السكرتير السابق للحزب الاشتراكي وشريك حياة روايال السابق ونائب منطقة الكوريز التي ينتمي إليها شيراك على طريقته الملتوية، مشيرا إلى خطورة العودة الآلية إلى ماضي القضايا على حساب مشكلات الوقت الحاضر، التي تعصف بمستقبل الفرنسيين، وفي ذلك إشارة إلى التوظيف السياسوي غير البريء الذي يطال ما تسمى برموز الشيراكية في عهد الرئيس نيكولا ساركوزي· أما نوال ممار ممثل منطقة الجيراند في الجمعية الوطنية فلم يظهر خلافا لليساريين أي تعاطف مع شيراك واكتفى بالقول إن جمهوريات الموز هي التي تغطي على المسؤولين الكبار وفي فرنسا لا أحد يفلت من سلطة القانون· يمينيا، مازال السكوت المطبق يخيم على معسكر ساركوزي باستثناء غسافييه برتران الناطق باسم أغلبيته، الذي قال إن العودة إلى الماضي لا تفيد شيئا في حالة شيراك· أما دومينيك باييه، العضو في اتحاد الأغلبية الساركوزي، والوفي لصداقته للرئيس شيراك، فعبّر عن حزنه الشديد لخبر متابعة رفيق دربه السابق، وأكد أن شيراك نفسه يؤمن باستقلالية القضاء، وعليه فالأمر لا يقلقه وسيخرج بريئا من التهمة المنسوبة إليه، فيما ساند فرنسوا بروا الشيراكي العنيد وعميد بلدية تروا باييه في طرحه دون الحد الأدنى من التردد· وأكد جان فايل محامي الرئيس السابق الذي كان ضيف قناة فرانس تلفزيون في الساعة الواحدة زوالا أن شيراك مطمئن وهادئ وغير مذعور كما يتصور البعض، لأنه كان يعرف أنه سيحاكم، وذلك في إشارة مبطنة إلى الرئيس الذي أخذ مكانه في الإليزيه· وتحدث جان فايل مع شيراك هاتفيا صباح راحة أولى من نوعها في سجل عطل رؤساء الجمهورية الخامسة·