أولا: أريد أن أشير إلى أن هناك علاقة متينة ما بين نجاح تجربة جريدة وبين نجاح ملحق ثقافي فيها، ومن خلال تتبعي لمسيرة جريدة ”الفجر” في السنتين الأخيرتين، دون السقوط في المدح الفارغ أو السكر البارد، أشهد بأن الجريدة شرعت في صناعة قرّائها بهدوء ومصداقية وأن مكانها المتميز هذا تصنعه يوميا مجموعة من الأقلام الجزائرية المكرّسة والمعتقة كسعد بوعقبة أو حدة حزام من خلال حضورهما اليومي والمتجدد والجريء وأقلام أخرى تجيء مغامرة الكتابة من الجيل الجديد بنفَس وجرأة جديدين من أمثال الشاعر أحمد عبد الكريم ورشدي رضوان والمبدعة المسكونة بالسؤال حياة سرتاح وفريدة لكحل بهاجس اكتشاف غيرهم وأعتقد أن هذا التلاحم والتآزر ما بين جيلين متكاملين وبرؤى متقاطعة هو الذي يصنع نجاح جريدة ”الفجر” ويصنع أيضا تميز ملحقها الثقافي الذي بدأ يؤسس لنفسه صورة أخرى في المشهد الثقافي الجزائري. ثانيا: أهنئ الملحق الثقافي في عيد ميلاده هذا وأتمنى له الانتقال من مرحلة الحبو إلى مرحلة السباق الاحترافي في المسافات الطويلة. فمسافات الثقافة والإبداع هي مسافات طويلة دائما لأنها تشتغل على القيم الكبرى وتنخرط في التجارب الإنسانية دون حدود. ثالثا: أتمنى ألاّ تتوقف وألاّ تنقطع تجربة الملحق الثقافي لجريدة الفجر وألاّ تُكرر هذه التجربة غيرها أو تُكرر نفسها، فهاجس الصحافة الإبداعية هو التجدّد والبحث المستمر عن التجاوز في إطار من الاستمرارية ضدا لكل روتين أو تكاسل أو تقليد. رابعا: أتمنى من إدارة جريدة الفجر وأخص بالذكر الصديقة السيدة حدة حزام المديرة العامة للجريدة أن تمنح الملحق مساحة أكثر واستقلالية في الشكل وتميزا في الإخراج. لأنني أشعر مرات وكأن الملحق عائم داخل مواد العدد اليومي للجريدة. إن الإخراج شبه المستقل يجعل للملحق في نظر القارئ مكانة بصرية أولا ثم قيمة تفرضها طبيعة المواد المقدمة. خامسا: أتمنى أن يذهب الملحق أكثر فأكثر في معالجة ومناقشة ما يشغل راهن الثقافة والمثقفين الجزائريين وأن يتحوّل الملحق إلى موعد ينتظره المثقف من خلال ما يطرح، ومن خلال أسماء إشكالية تدعى للكتابة تعمل على تكريس الوجود المتميز. سادسا: على الملحق الثقافي أن يتخلّص من المواضيع الباردة ويدخل مجال طرح المواضيع السجالية وأن يُشرك في مناقشتها الأطراف التي تصنع الحدث وتصنع الاختلاف وردود الفعل. سابعا: لا تزال صحافتنا على اختلاف توجهاتها واختيارات خطوط تحريرها وعلى اختلاف لغاتها، لا تزال بعيدة في همومها واهتماماتها عن هاجس الثقافي والإبداعي. وأنا أتصور أن هناك قارئا ينتظر مثل هذه التجارب الثقافية الإعلامية وأن هناك فراغا إعلاميا كبيرا ومهولا في باب الثقافة. ثامنا: ما أتمناه أيضا أن تتعاون دور النشر الجزائرية التي استفادت في السنوات الأخيرة كثيرا وكثيرا من أموال الدولة وخزينتها العامة، أن تتعاون مع هذا الملحق وذلك بأن تمنحه مساحات إشهارية عن كتبها التي موّلتها الدولة وظلت مكدّسة دون أن تجد قارئا، وهذا التعاون هو الذي يصنع ثقافة الترويج الحضاري للكتاب ويصنع بالتالي قارئا. تاسعا: أعتقد أن الملحق الثقافي للفجر يحتاج إلى إشهار داخل صفحات الجريدة الأم (أي الفجر) وأساسا في صفحتها الأولى وذلك بيومين أو ثلاث قبل يوم صدوره حتى ينبه نوعا من القرّاء إلى هذا الحدث. عاشرا: أثارتني بعض الملفات التي فتحها ملحق ”الفجر” ولكنها ملفات تظل بحاجة إلى متابعة أعمق وإلى تواصل من خلال نقاش مستمر يفتح أبوابه على الواقع الثقافي في بلادنا ويربطه بما يحيط بنا في الشرق والغرب والشمال والجنوب في باب الثقافة والإبداع إن في التسيير أو الاستراتيجيات وإن في طبيعة وهموم نشطاء هذا الحقل. أحد عشر: أقترح على المشرفين والمحررين، إقامة ندوة أسبوعية تسمى ”ورشة الفجر الثقافية” تتناول بعض مظاهر الواقع الثقافي والإبداعي في بلادنا وأن يدعى لذلك من هم أجدر وأقدر على تشخيص الثقافة وأهل للدفاع عن هذه ”الحرقة” الذاتية والموضوعية وأن تكون في الوقت نفسه مفتوحة للجمهور. ويتم نقل وقائع هذه الورشة الثقافية، بكل ما دار فيها من نقاش، نقاش لن يكتب له النجاح إلا إذا توفرت الحرية والمسؤولية العارفة في الكلام والرأي دون تجريح أو حساسية شخصية. اثنا عشر: تمنياتي لفريق ملحق الفجر الثقافي وللجريدة الأم التواصل والاستمرارية والتميز والنجاح كما أطالب المشرفين على تحرير الملحق الانفتاح الاحترافي أكثر وأكثر على جموع المثقفين والتجاوب معهم بما يصنع التراكم والنقد والحوار، وأنا متيقن أن الرهان على الإعلام الثقافي، إذا ما أدرك مغزاه وسبله واقتنع الفاعلون فيه، هو رهان ناجح.