قرية سيدي إيدير ببرج بوعريريج، هي قرية لها سجل تاريخي وثوري، سقطت فيها أطنان من القنابل وهدمت منازلها وسالت فيها دماء الشهداء... هي قرية ذات طابع جبلي وتضاريس وعرة تتواجد ببلدية "الماين" دائرة "جعافرة"، والتي تقع شمال الولاية. تبعد القرية التي زارتها "الأمة العربية" حوالي 65 كلم.. سكانها يعتمدون على جني الزينون الذي يعتبر العيش الأساسي لهم من خلال بيع زيت الزيتون، بالإضافة إلى بعض المزروعات الأخرى، يبلغ تعداد سكانها حوالي 2000 نسمة. تاريخ المنطقة في ثورة التحرير المجيدة، راسخ لحد الآن في أذهان الكبار بدليل آثار المعارك الطاحنة التي دارت رحاها بالمنطقة وتبقى بقايا حطام الطائرات وشظايا القنابل وبعض الأسلحة التي استعملها المجاهدون الأشاوس في كفاحهم المرير من أجل نيل الحرية والاستقلال. ويرجع اسم قرية "سيدي إيدير" إلى القرن الخامس عشر حين جاء رجل اسمه "إيدير" من إحدى القرى وتدعى" ثجمهور" واستقر فيها من اجل عبادة الله والتفرغ لقراءة كتاب الله، اين اعتزل بالمنطقة وأنشأ عائلة كبيرة بالقرية وأصبح من أولياء الله الصالحين هناك، ومن هنا حملت القرية اسمه "سيدي إيدير" نسبة إلى الرجل الذي وطأة أقدامه المنطقة. "جمعية الأخوة لأولاد سيدي إيدير" بباريس سنة 1936.. دعم كبير للنضال ضد الاستعمار وقد بدأ النضال التاريخي ضد المستعمر بقرية "سيدي إيدير" قبل اندلاع ثورة التحرير، حين تم تأسيس "جمعية الأخوة لأولاد سيدي إيدير" بالعاصمة الفرنسية باريس سنة 1936 من طرف بعض الناشطين الجزائريين، و رغم بعدهم عن الوطن الأم "الجزائر"، إلا أن "جمعية الأخوة لأولاد سيدي إيدير" والتي كانت تنشط في سرية تامة، كانت تعمل على جمع الاشتراكات والتبرعات من الجالية الجزائرية وكذا المسلمة وإرسالها إلى الجزائر من اجل دعم المناضلين و القضية الجزائرية في "سيدي إيدير"، وكان عدد الجمعية آنذاك 23 عضوا، من بين هؤلاء نذكر قالي العيد،قرقاش علي، بن يحيى علي، عجنق البشير وبوعبان مقرام... وآخرين. وكان لهم الفضل في نشر الوطنية ومساعدة الثوار للحصول على الاستقلال. انقسام في حزب مصالي الحاج وتشكيل أعضاء جبهة التحرير الوطني وقد كان سكان القرية ينشطون ضمن حزب مصالي الحاج آنذاك وذلك بجمع الاشتراكات لصالح الحزب، وعند انقسامه لم يجدوا الوجهة المناسبة التي سوف ينشطون ضمنها إلى غاية اندلاع الثورة، أين أمر جيش التحرير الوطني بإنشاء أعضاء "جبهة التحرير الوطني" بالمنطقة والتي ستسهل عملهم في التنقل عبر الجبال كون قرية "سيدي إيدير "، همزة وصل ونقطة عبور بين ولايات البرج وسطيف وبجاية. وكان الأوائل الذين انخرطوا ضمن حزب جبهة التحرير في قرية "سيدي إيدير"، هم 5 أعضاء في البداية وهم محمد هراوة، بوجناح عمر، بن يحيى الربيع، بابور العربي، وسعيدي محمود، ثم انضم إليهم المدعو محمد بن بلقاسم الذي ضم إلى المجموعة بعد أدائه لليمين فوق المصحف الشريف، والمتمثل في عدم الخيانة والتمسك بمبادئ الجبهة. وقد كان دور المناضلون هو جمع الاشتراكات ونقل المعلومات للجيش لضمان حرية تنقلاتهم، حيث أنشأ صندوق خاص بذلك لضرورة صرف تلك الاشتراكات في حالة الحاجة لذلك، وقد كان الأعضاء ينشطون في سرية تامة خوفا من تسرب المعلومات إلى العدو الفرنسي. أول اشتباك مع العدو سنة 1955 واستشهاد 4 مجاهدين بالقرية إن أول اشتباك وقع في منطقة "سيدي إيدير" بين المجاهدين والعدو كان في 03 أوت 1955، وكان جيش التحرير بقيادة الملازم "سي ارزقي" من منطقة "صدوق" ولاية بجاية وسقط في ساحة الوغى "04" شهداء وهم المجاهد سي سالم بوزيد من منطقة "ثماست" (ڤنزات حاليا)، بالإضافة إلى ثلاثة شهداء من منطقة القبائل. ومن هنا، دعا قائد الجيش إلى رفع عدد المناضلين بالقرية وجهر بعمل الجبهة بالمنطقة .وهذا ما استجاب له السكان حيت ارتفع العدد من 6 إلى 24 مناضل، والتي لها دور كبير في حدوث أشياء كبيرة في القرية. زيارة العقيد عميروش إلى القرية وثناؤه على العمل الجبار الذي يقوم به المناضلون وقد زار قرية "سيدي إيدير" خلال ثورة التحرير المجيدة، شخصيات رفيعة المستوى من سياسيين وثوريين، وقد كانت الزيارة التي مازال يتذكرها المواطنون والتي بقيت راسخة في أذهانهم ولن تنسى أبدا، هي زيارة أسد جرجرة إلى القرية وهو العقيد عميروش والتي وقعت في 26 نوفمبر 1956، حيث استقبل في منزل المناضل طالبي المختار أين كان رفقة سبعة من مساعديه من بينهم كاتبه محمود بلعلام، حيث دامت الزيارة يومين في القرية وأقيم على شرفه عشاء وغداء والمتمثل في الكسكسي والكسرة والزيت، التي كانت على حساب الاشتراكات التي جمعت. وقد ألقى العقيد كلمة على سكان المنطقة أثنى فيها على العمل الجبار والثوري الذي تقوم به الجمعية ودعا إلى الوعي والصبر. وقد رقى في زيارته المجاهد بابور العربي إلى رتبة مساعد بالمنطقة. وجرت هذه الزيارة تحت ظروف أمنية جيدة وفرها المناضلون لنجاحها. ومع مرور الأيام، أصبح يزور المنطقة من حين إلى آخر وذلك لتوفر الثقة واليقظة التي امتاز بها سكان القرية. زيارة قائد الولاية الثالثة كريم بلقاسم ومليكة قايد ورد فعل العدو بعد الزيارات المتكررة التي قام بها العقيد عميروش، أتى دور الزيارة التاريخية لقائد الولاية الثالثة كريم بلقاسم والتي كانت في أفريل 1956 أين استقبل في اليوم الأول بمنزل المناضل زميط المولود، وفي اليوم الثاني بمنزل محمد الطيب خياري، وقد ألقى القائد والعقيد خطابا على سكان القرية بالمكان المسمى لوطة اسفقان بسيدي إيدير. وفي جوان 1956 حلت بالقرية المجاهدة والممرضة مليكة قايد، مع طاقم نسوي يضم عدة ممرضات وكن بالزي العسكري. وكان هدف الزيارة توعية نساء قرية "سيدي إيدير" وتجنب قصف العدو مثل كيفية الاختباء حين يكون القصف من طرف العدو، وكذا في حالة الطوارئ. وقد كان رد فعل العدو الفرنسي قاسيا، حيث كانت أول عملية تمشيط قام بها بعد تسرب المعلومات والأخبار إليه في 29 ماي 1956، حيث استشهد 13 شهيدا، من بينهم امرأتين واعتقال أحد المناضلين، وهو قرقاش الحوسين والذي عذب بطريقة وحشية إلى غاية استشهاده من شدة التعذيب، بالإضافة إلى اعتقال العديد من المواطنين. مجزرة 28 جوان 1956 الشنيعة والتي خلفت 17 شهيدا والتي استعمل فيها العدو طائرات من نوع "ميراج" وقصفت القرية بالقنابل المزودة بمادة "تيانتي"، وقد استشهد في هذا القصف 17 شهيدا، 5 شهداء من عائلة زميط و7 من عائلة سهلال و05 شهداء من عائلة داعو. كما قام الجيش الفرنسي بنشر قواته في كامل أنحاء القرية في عديد من المرات واعتقل العديد من المواطنين، ومنها ما وقع في 20 أكتوبر 1956 اين اعتقل 23 مدني من بينهم بن يحيى عبد الحميد، داعو لحسن، عشاش الطاهر... وآخرون، وتم تكبيلهم من الأيدي ونقلهم الى سجن مجانة ثم الى عين روى بسطيف، وأخيرا الى بني ورتيلان. أربعة طائرات سقطت ب "سيدي إيدير" الشيء الذي يفتخر به سكان قرية "سيدي إيدير"، هو سقوط 04 طائرات عسكرية تابعة للعدو الفرنسي، الطائرة الأولى وهي مروحية سقطت في الفاتح من شهر جانفي 1957، حيث اصطدمت بعد مناوراتها فوق سماء القرية بصومعة المسجد، وبالتالي أدى الى الهبوط الاضطراري للطائرة. وأصيب طيارها وأجهز عليه المجاهدون واحرقوه كي لا يتم كشف أمرهم من قبل العدو، وأخذوا سلاحه. أما الطائرة الثانية، فاسقطها احد المجاهدين وهو بن شهدي رابح في 13 أفريل 1957، وذلك بجبل "اومازة"، كما اسقط هذا القناص في يوم في 14 افريل طائرة أخرى. وفي أكتوبر 1957 سقطت الطائرة الرابعة بعد اشتباك أدى الى إصابتها وانفجرت ب "واد أمسد"، حيث محركها موجود في متحف أقبو بولاية بجاية، أما جناحها فهو متواجد بمقر إحدى الجمعيات ب "سيدي إيدير". وبعدما أصبحت القرية منطقة عبور للثوار وملاذ لهم، كان لزاما على المستعمر أن ينجز محتشدا بالقرية والذي سوف يعمل على قطع العلاقات بين المدنيين والثوار. وعدم تزويدهم بالمعلومات حول تحركات الجيش وتجنب الكمائن التي يصنعها الثوار ومنع تقديم الأكل والاستراحة لهم وكان ذلك سنة 1957. إن كل ما حدث في قرية "سيدي إيدير"، ألزم أبناءها الغيورين عنها وعن وطنهم الجزائر برفع التحدي، حيث قاموا بجمع آثار الثورة من أشياء تارخية وقطع تقليدية ورسوم وألواح زيتية وحطام للطائرات التي سقطت بالمنطقة وشظايا القنابل، ووضعها في مكان يليق بها ويراها جل المواطنين ليتذكّروا العبرة والبسالة التي كانت صفة آبائهم وأجدادهم، وأخذ العبرة من ثورة قام بها أبطال المنطقة ودفعوا الثمن غاليا من أجل أن تعيش الجزائر شامخة شموخ جبالها. والتاريخ يتحدث دائما عن الأبطال الذين كتبوا أسماءهم بأحرف من ذهب، من أجل الوطن ومات الرجال وتركوا بصماتهم خالدة. ورغم مرور الزمن، لم يحن الشعب الجزائري رأسه والمجد والخلود لشهداء الثورة وتحيا الجزائر شامخة معززة مكرمة تحت شعار "جزائر العزة والكرامة"، في ظل السياسة الرشيدة والحكيمة لقيادتنا المتشبعة بمبادئ ثورة نوفمبر والتي غرست في شبابنا الوحدة والتآزر، كلما دعا إليها الوطن في مناسبات وطنية ودولية.