لست أدري إن كنت قد وفّقت في اختيار هذا العنوان لأنني أردته أن يكون معبّرا عمّا أشعر به من إحباط وفشل وما ينتابني من حياء وخجل وأنا أتصفّح عناوين بعض الجرائد المستقلة أو التي تسمي نفسها كذلك، وأعتقد أنه عنوان مناسب لأنها استقلت من انتمائها لهذا المجتمع المحافظ وفي اعتقاد القائمين عليها أنهم تحّرروا من الطابوهات لأنهم كسروها. والحقيقة أنها عندما كسروها حطّمتهم وزلزلت كيان المجتمع العروبي في بلادنا بعد أن كان قلعة من الصمود والتصدي في وجه الرياح التي تهب من الشرق أوالغرب. إن المتصفح لبعض الجرائد اليومية وأخص منها الناطقة بالعربية باعتباري واكبت كل مراحلها وأزيد في التخصيص فأقول المستقلة منها سيصاب بالدهشة والحيرة من الانحدار الذي انزلقت فيه هذه الجرائد، حيث نلاحظ أنها تخلت عن دورها الريادي في تنوير المجتمع وتثقيفه، وأخذت تساير هذا المجتمع في غضه وقضيضه ثم تعيده إليه دون غربلته ولا تمحيصه فتجد كلام هذه الجرائد لا يختلف عن كلام المقاهي، إن لم يكن أسوأ منه. هذه الجرائد أصبحت تتباهى بالسبق الصحفي في الإشاعات والنميمة والكذب وليس أدل على ذلك من تفاخر إحدى هذه الجرائد بكذبة أفريل التي أطلقها بعض الشباب في العالم الافتراضي للأنترنت والتي كانت من الإتقان أن بعض أصحاب النوايا الحسنة صدقوها، بغض النظر عن كون من صدقها مصريا، وهو الوتر الذي أصبحت تعزف عليه هذه الجرائد منذ الأزمة الكروية بين الجزائر ومصر وحتى هذه الأزمة لم تكن لتتعمق لولا هذه الجرائد ومثيلاتها من القنوات الفضائية المصريّة. هذه الجرائد بدأت انحدارها بإقامة المسابقات والطمبولات ثم تحولت إلى الأخبار المثيرة كالإغتصابات وزنا المحارم والخيانات الزوجية والحياة الخاصة للفنانين والمسؤولين واختلاساتهم، وغير ذلك من الكلمات الكبيرة والعناوين المثيرة التي لا تخدم القارئ في شيء. إنه لمن المؤسف كثيرا أن تنزل الصحافة بأفكارها إلى الشارع وتتبنى أفكار ”راديو طروطوار”، ذلك بدل أن ترقي القارئ وتهذب لغته. وإذا كانت هذه الصحف تتباهى بعدد النسخ المسحوبة يوميا، فإن هذا ليس دليلا على كثرة قرّائها، لكنه دليل على سطحيتها وتفاهتها، رغم بعض الأقلام التي نحترمها فيها. وما زاد في سقوط هذه الجرائد، في نظري، هو فتحها لمنابر إعلامها لغير الجزائريين من كتاب ودعاة، أظهرهم الإعلام المرئي إلى الوجود، فاعتقدوا أنهم من النخبة، واعتقدت معهم هذه الجرائد أنها أحرزت قصب السبق عندما فتحت صدرها لهؤلاء الذين لا يعبأ بهم أحد في بلدانهم الأصلية، بينما تهمل أقلاما جزائرية متمكنة ومبدعة، وقد نسيت هذه الجرائد أننا قبل البحبوحة البترولية وفي عز الإرهاب كانت دماؤنا تسيل دون أن يجرؤ أي من هؤلاء الدعاة أو الكتّاب أن يقول كلمة حق تحقن دماء أبنائنا ولو من داخل مكاتبهم المكيفة. أعتقد أنه آن الأوان لهؤلاء كجزائريين أن يتحرروا من عقدتي الشرق والغرب، ويعملوا جميعا على البحث عن النخبة في ثروتنا المحلية الحقيقية، التي هي أبناؤنا وشبابنا وأن لا يلهوهم بأخبار وهمية مفبركة، يريدون من ورائها الثراء على حسابهم، وأن يظهروا قدرتهم كصحفيين وإعلاميين محترفين وشرفاء لا كمحتالين يتسولون القرّاء بالعناوين المثيرة، ووعود الزواج والمسابقات والكلام غير المباح، الذي يظهر كل صباح. وليعلم هؤلاء أن كل كلام يكتب بلا ضابط ولا أخلاق هو حفير عميق ينخر جسد الأمة التي مازلت لم تشف من جروحها الكثيرة المتتالية، والتي نحن جميعا مشتركون في تنكيئها بطريقة أو بأخرى. إننا ككل أمم الأرض خيرنا فينا وأخطاؤنا قابلة لأن تصلح إذا استمعنا لبعضنا البعض واستثمرنا فيما نملك ولم ننظر إلى يملكه غيرنا إلا من باب المحاكاة والاتعاظ أما إذا ركبنا رؤوسنا ونظرنا باحتقار إلى تجاربنا وواصلنا الانحدار بعناد وغرور كما نفعل دائما فليس لي سوى القول لا حول ولا قوة إلا بالله وإنا لله وإنا إليه راجعون. فاطمة الزهراء.ب