الوالج إلى حي "بالسيف" المتواجد بمحاذاة منطقة بومرزوق بقسنطينة يظن نفسه أنه يقتحم أحد ڤيتوهات أفقر بلدان إفريقية، بالسيف الذي تدل عليه تسميته بعد أن أقامه السكان عنوة وبالقوة، رغم محاولات السلطات المحلية إزاحته في أكثر من مرة يختصر كل أشكال التخلف والمعاناة، ويسيء فعلا إلى جزائر الاستفلال التي يرفع فيها شعار العزة والكرامة .. هناك لا ماء ولا غاز في البيوت القصديرية، فالحياة جحيم بكل ما تعنيه مفردة جحيم من معان، فهناك تقاسم القوارض البشر المأكل والنوم، والثعابين تتجول حتى في الشتاء، والمخدرات والكحول تستهلك ليل نهار وحتى مصالح الأمن تتجنّب ولوج دهاليز بالسيف.. الحق يقال إن قسنطينة تعتبر من بين أحسن الولايات حتى لا نقول أولها بخصوص معالجة ملف القضاء على الأحياء القصديرية، ويكفي أنه تم إزالة أحياء ضخمة كحي نيويورك والبوليقون وطنوجي في فترة وجيزة وإعادة إسكان قرابة 10 آلاف ساكن في المدينتين الجديدتين ماسينيسا وعلي منجلي. لكن الغريب أن حي "بالسيف" باق وكأنه يرفض الرحيل.. ليظل بمثابة الشوكة في حلق سلطات قسنطينة، خاصة في ظل توسعه المستمر من شهر لآخر .. هناك في "بالسيف" تشيد الأكواخ والسكنات القصديرية ليلا وفي وقت قياسي، وعندما يطلع النهار تجد عشرات العائلات تسكن هناك على ضفاف وادي بومرزوق وتحت جسر شيد خلال الحقبة الاستعمارية، وهو ما صعّب أكثر مهمة إحصاء المقيمين، وينذر بحدوث تجاوزات وصدامات تتعدى ما حدث خلال عمليات ترحيل سكان باردو خلال عمليات الترحيل المرتقبة، خاصة وأن السلطات الولائية قدمت أرقاما معينة للوزارة الداخلية تخص السكان الأصليين الذين أقاموا أكواخهم قبل 2007. الكارثة اليوم لا تتعلق بصعوبة عمليات الإحصاء والترحيل، والقضاء على آخر ڤيتوهات قسنطينة، وإنما في انتشار أمراض خطيرة كالحساسية والربو وحتى السل، إلى جانب آفات اجتماعية أبرزها المخدرات وممارسات لا أخلاقية، فالوضع هناك لا يحتمل الانتظار، لأنه كلما أجلت عمليات الترحيل توسعت دائرة البيوت القصديرية ومعه توسعت الأمراض والآفات وازدادت المعاناة، فالحل في "بالسيف" هو إزاحته بالسيف أيضا..