تعيش عائلات حي السلام الشهير ب "لاسيتي بالسيف" بعاصمة الشرق الجزائري، منذ حوالي عقدين من الزمن حياة أقل ما يقال عنها إنها لا تناسب البشر، فلا راحة ولا أمن و لا حتى صحة، هذه الأخيرة التي يكون بقاؤها ودوامها غالبا عزاء لبعض المكروبين، إلا أن ظروف العيش في منازل من الصفيح والقصدير و لطوب جعلت كثيرا من المجبورين على العيش تحت أسقفها يفقدونها ويعانون أمراض نفسية وجسدية مزمنة أثقلت كاهلهم بالمصاريف والركض من مستشفى الى آخر. فحي بالسيف الذي يعيش فيه الناس عيشة "بالسيف" بأكثر من 600 كوخ تدل تسميته على الطريقة التي وجد بها، فقد أقامه أصحابه بالقوة و"بالسيف" رغم رفض السلطات المحلية له في بداية التسعينيات وهي الفترة التي لا يمكن الحديث عنها دون الإشارة الى الوضع الأمني الصعب الذي مرت به البلاد. قصدنا الحي المذكور للقاء العائلات المتواجدة هناك بغية التعرف أكثر على تفاصيل المعاناة المعروفة إجمالا، ولإعطائهم بصيصا من الأمل بإسماع صوتهم إلى الصحافة ومن ثمّة المسؤولين وهم أهل الحل والربط في أمرهم فهو تابع لقطاع التوت ويتواجد بالقرب من منطقة "بومرزوق"، يمكن أن تأخذ صورة إجمالية عنه من أعلى الجسر الذي يتواجد أسفله وهو جسر بمسلك واحد تعبره السيارات من الجهتين وفي هذا مشقة كبيرة وانتظار، نظرا إلى أنه صمّم - حسب البعض - سابقا كي يكون مسلكا للقطار، ثم حوّل استعماله في الفترة اللاحقة للسيارات والمركبات، وبالتالي فمن غير الممكن استعماله من الاتجاهين في وقت واحد. بطريقة ما وصلنا الى أسفل الجسر، حيث استقبلنا سكان البيوت القصديرية بترحاب كبير صغارهم قبل كبارهم، والكل كان يريد أن يأخذ حظه من الحديث لأن كل واحد منهم يرى نفسه الأكثر ضررا بحجة أن لا أحد يشعر بالمعاناة أكثر من صاحبها. لاسيتي "بالسيف" يقع في جزئه الشمالي مباشرة تحت الجسر المذكور، حيث تتوزع الأكواخ على شكل مربع تتوسطها أرضية وبمدخل هذا الجزء تتواجد مزبلة كبيرة تنحدر على شكل شلال من النفايات من أعلى الجسر الى أسفله، هي من صنع السكان وروائحها تكون أول مستقبل لزوار المكان، كما أن الأمراض الناجمة عنها كثيرة كثر جوانب المعاناة بهذا الحي الذي قال عنه سكانه بأنهم ميتون. شتاء قاس ومرعب وصيف لا يرحم تحت الصفيح وبين الجدران المتصدعة طرقنا باب إحدى العائلات التي لم تكن تعلم بتواجدنا بعد، فكان أول المستقبلين شيخ تجاوز سنه السبعين وكانت تعابير المعاناة مرتسمة على وجهه البائس، وما أن علم الصغار الذين كانوا يتقفونه وهم أحفاده بأمرنا حتى أخبروا أمهاتهن بالأمر، وهنا التحقن بنا وكنا أربع نساء هن زوجات لأربعة من أولاد العم. والحق أن حفاوتهم في الاستقبال كانت كبيرة، ورغم معاناتهم كان حديثهم رفقة الشيخ هادئا تتخلله نبرات من اليأس بعد أن طال انتظارهم على أمل الترحيل. كان الديكور خليطا من الجدران المتصدعة وسقوف "التارنيت" والطوب وقطع الصفيح. والحديد وكان أول ما بدأنا به الكلام سؤال عن اليوميات التي يقضونها في هذا المكان وتفاصيل صيفهم وشتائهم وكانت الإجابات بالتناوب، فقد أخبرتنا إحدى المتوجدات أن الوادي الذي يقع مباشرة أمام منازلهم من الجهة الخلفية أول ما يثير رعبهم إذا ما تساقطت الأمطار والليالي في هذا الوضع بيضاء بالنسبة للجميع فالكل يكون على أهبة الاستعداد للهرب خشية الفيضان ويكون بكاء الأطفال الذين حرموا النوم أكثر ما يفطر القلوب، فالسيول تنهمر من كل مكان والأثاث والفراش يتبلل وحتى ملابسهم. فعلاوة عن ماء المطر، تزيد السيول المنحدرة من أعلى الجسر السالف الذكر الأمر سوءا، خاصة وأنها تنزل محمّلة بالوحل والغبار وكل ما يعترض طريقها من النفايات ويكون مصبها مباشرة فوق رؤوس السكان، وإن كانت هذه السيول - حسب السكان - تستمر حتى في حال كان الجو مشمسا بسبب قنوات المياه التي تعبر الجسر والتي ظلت تتدفق المياه منها لفترة طويلة بسبب عطب كان قد أصابها لم يتم إصلاحه. أما عن الصيف فهو كارثة أخرى تحل بالسكان بسبب أصناف الحيايا والجرذان التي تجعلهم في رعب كبير، فقبل أيام فقط -تقول إحدى الساكنات- عثر على ثعبان بقلب الكوخ لم يتم القضاء عليه إلا بالماء الساخن الذي سكبته عليه أمام صراخ أبنائها. أوضاع صحية متدهورة بسبب عوامل المناخ وروائح المزبلة المترامية الأطراف تنقلنا إلى منزل آخر وكانت صاحبته التي أصرت على إدخالنا إليه وهي في حالة هستيرية من الصراخ إلى درجة لم نتمكّن فيها من تهدئتها، فهي أم لتسعة أبناء يقع كوخها مباشرة في مواجهة المزبلة، والرائحة بحق لا تحتمل، حيث تسببت في أمراض الحساسية بالنسبة لأبنائها إضافة الى الأمراض الناجمة عن برودة ورطوبة الشتاء وهو عامل مشترك بين جميع السكان الذين أصيب أبناؤهم جراءها بأمراض صدرية ورئوية كثيرة، خصوصا في ظل غياب التدفئة فالغاز كما هو معلوم وواضح لا يمكن الحصول على طاقته إلا باقتناء قارورات البوتان التي يزيد سعرها عن 200 دج، وهو عبء مادي كبير يفرض في فصل الشتاء ولا يوجه إلا للطهي والتدفئة خلال النهار فقط، بسبب الخوف من إبقاء الموقد مشتعلا في الليل وبالتالي حدوث اختناق.. ونتيجة هذا ركض ومشقة كبيرة بالمستشفيات وعيادات الأطباء في ظل فقر كبير ومحدودية في الإمكانيات ونقص في الوسائل وعسر وضعف في الحال. حالة أمنية غير مستقرة واعتداءات وخوف مستمر من حدوث الأسوأ من الواضح أن أماكن كهذه هي بؤر للانحراف والرذيلة والتدهور الأخلاقي، وهو ما ذهبت إليه شهادات السكان الذين أشاروا إلى اتخاذ حواف الوادي المجاور لأكواخهم معقلا لتعاطي المخدرات وشرب الكحول من طرف الشباب المنحرف، كما أن الجسر الواقع أعلى المساكن غالبا ما يتخذ بدوره مكانا لهذه السلوكات، حيث يقضي المنحرفون ساعات طويلة هناك وهم يتلفظون بألفاظ بذيئة خدشت حياء العائلات وحرمتهم الاجتماع - كما يقومون - بإلقاء قارورات المشروب فوق رؤوسهم، كما أن انكشاف الأكواخ للرائي من أعلى الجسر حرم النساء من الخروج لتعليق الغسيل بسبب المضايقات التي يتعرضن إليها من المنحرفين.
من جهة أخرى، أبدت الأمهات خوفهن الشديد على أبنائهن وبناتهن من الاعتداءات التي تحدث، لا سيما وأن الحي يقع بمنطقة بعيدة عن الأعين ولا يمكنهن مرافقة أطفالهن يوميا إلى المدرسة بحكم مشاغلهن والتزاماتهن وهو عامل آخر يزيد من حجم المأساة التي تطرح أسئلة كثيرة بشأن انتهائها، خاصة وأن السكان يعتبرون أنفسهم ذوو أولوية في الترحيل الى شقق تضمن العيش الكريم، فعلاوة على قدم الحي فهو يضم عددا كبيرا من العائلات التي يزيد عددها مع مرور الوقت، خاصة وأن آخر إحصاء من طرف مصالح البلدية حصل قبل 4 سنوات. المسؤولون يعدون بالترحيل قبل نهاية 2010 وقوائم الاستفادة مضبوطة معاناة سكان "لاسيتي بالسيف" وعند رفعها لرئيس دائرة قسنطينة قال إن القوائم المتعلقة بهذا الحي تم ضبطها نهائيا سنة 2007 من طرف اللجنة الولائية التي كلفت بإحصاء البيوت القصديرية المتواجدة على مستوى ولاية قسنطينة، مضيفا أن هذه القوائم تم إيداعها على مستوى وزارة الداخلية، كما أكد أن العدد الذي تم ضبطه سيعكس قائمة الاستفادة أثناء توزيع السكنات، ما يعني أن السكان الجدد بالحي والذين التحقوا به بعد سنة 2007 لن يكون معترفا بهم نهائيا. كما طمأن ذات المتحدث أن سنة 2010 ستكون الموعد للقضاء على السكنات القصديرية بعاصمة الشرق الجزائري خصوصا وأن زهاء 14 ألف سكن بالصيغ الثلاث يجري إنجازها حاليا، وهو الأمر الذي أكده المسؤول الأول عن الولاية في أكثر من مناسبة والذي أكد أيضا أن القوائم التي تم ضبطها بشأن البيوت القصديرية ستكون نهائية، في إشارة إلى أن الوافدين الجدد على هذه الأحياء لن يحصلوا على شقق وما عليهم إلا الانتظار للحصول على سكنات اجتماعية.