حجز 66 كلغ من الكوكايين بأدرار وتوقيف مهرب    افتتاح جناح الجزائر بالمعرض العالمي "أوساكا-كانساي 2025" باليابان    الوكالة دربت زهاء 12 ألف خريج حول كيفية إدارة المشاريع    البحث العلمي هو في صلب اهتمامات رئيس الجمهورية    في اجتماع مغلق حول قضية الصحراء الغربية    توقع تساقط أمطار رعدية بعدة ولايات إلى غاية اليوم    حوادث المرور: هلاك 10 أشخاص واصابة 226 آخرين    ينبغي الحفاظ على "الصورة المشرفة" للبعثة الطبية الجزائرية    بسكرة : انطلاق فعاليات المهرجان الثقافي الدولي للشعر العربي الكلاسيكي    سفير الجزائر بمصر يطمئن على صحة اللاعب أحمد قندوسي بعد تعرضه لإصابة    أوشيش يرافع لجبهة وطنية متماسكة    رئيس الجمهورية: الجزائر تتطلع الى الصدارة الاقتصادية قاريا    زغيب يضع عِلمه في خدمة الجزائر    الوصول إلى الجزائر أصبح أسهل    البيض: الطريقة الشيخية الشاذلية تأكد دعمها المطلق للموقف الرسمي للسلطات العليا للبلاد    السيد عطاف يدعو من أديس أبابا إلى مواصلة الالتزام بالشراكة الاستراتيجية الجزائرية-الإثيوبية    السيد عطاف يترأس مع نظيره الاثيوبي بأديس أبابا أشغال الدورة الخامسة للجنة المشتركة الجزائرية-الإثيوبية    الجزائر/موريتانيا: علاقات تاريخية مميزة تدعمها إرادة سياسية واضحة    قوات الاحتلال المغربي تحاصر منازل عائلات أسرى مدنيين صحراويين لثنيها عن التضامن مع الحملة الدولية لإطلاق سراح المعتقلين    تيميمون: سوناطراك تمنح إعانات مالية لجمعيات وأندية رياضية محلية    جمعية العلماء المسلمين الجزائريين تدعو الى التصدي لكل محاولات زعزعة استقرار البلاد    المجلس الشعبي الوطني: مدير ديوان الحج والعمرة يستعرض آخر تحضيرات موسم الحج 1446ه    افتتاح فعاليات الطبعة الأولى لأيام "سيرتا للفيلم القصير" بمسرح قسنطينة الجهوي    العرض الشرفي الأول لفيلم "طيور السلام" يسلط الضوء على تضامن الأطفال الجزائريين مع غزة    الجزائر تحتج بشدة على توقيف أحد أعوانها القنصليين بفرنسا وتطالب بالإفراج الفوري عنه    وزارة الفلاحة تعرض المخطط الأولي لتسيير عملية أضاحي العيد    رئيس الجمهورية يشرف على افتتاح اللقاء الثاني مع المتعاملين الاقتصاديين    البطولة الوطنية للجيدو أواسط بوهران: تتويج ناديي أولاد الباهية ذكور ومولودية الجزائرإناث    غزة : ارتفاع حصيلة الضحايا إلى 50944 شهيدا و116156 مصابا    محاولة فاشلة" للنيل من مواقف الجزائر النبيلة و المبدئية    على الجميع الانخراط في مسعى وطني بهدف حماية مجتمعنا    نسعى إلى تحديث آليات إدارة الأوقاف وتسييرها واستغلالها"    الصمت الدولي "جريمة موازية لا تقل بشاعة عن القتل والقصف"    يحي سعد الدين نايلي مديراً عاماً جديداً لصيدال    منظمات وطنية تُندّد بموقف حكومة مالي    تقرير جديد يوثّق تصاعد جرائم الاحتلال المغربي    إشراق شعيب تهزم البطلة الهندية بوجا بال    11 موقعاً جزائرياً.. نحو العالمية    عربٌ.. ولكنهم إلى الاحتلال أقرب!    الكاف تراسل المولودية    على خلفية نشر صور ومقاطع فيديو لعمليات الوشم مخلة بالحياء    الوفاق يتقدّم..    ملتقى دولي حول التراث الجزائري المخطوط    هذا هو المبلغ الأقصى للسحب اليومي عبر مكاتب البريد    106 مشروع لتنمية وعصرنة أربع بلديات    رفع ملف مفصّل حول احتياجات الولاية إلى السلطات العليا    أزمة الهوية في الدراما التلفزيونية الجزائرية    تركيز الاهتمام على السينما الفلسطينية    مدرب فينورد يدافع عن حاج موسى ويشيد بإمكانياته    "السياسي" في تربص بسيدي موسى    أزمة في تونس بسبب بلايلي والترجي يهدد بالانسحاب    السياحة بسكيكدة تتدعم بهياكل جديدة    مجمع صيدال: تعيين السيد يحي سعد الدين نايلي مديرا عاما جديدا    السهر على توفير كل التخصصات الطبية بالمصالح الطبية الإستشفائة    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    الحضارات الإنسانية لا تعادي الثقافات النبيلة    الجزائر محمية باللّه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عن "الدولة المدنية" والأقلية التي صارت فوق القانون
نشر في الفجر يوم 09 - 06 - 2010

برفضها الانصياع لأحكام القضاء تكون الكنيسة قد رسبت في أول اختبارات "الدولة المدنية" ورسوبها هذا لم يكن رسوبًا عاديًا، خاصة بعدما طال تمترس متطرفي الأقباط ومن ذهب مذهبهم من اليسار والعلمانيين خلف لافتة "المدنية" في مناهضة تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية، مع أن أحكام الشريعة لا تتنافى بأي حال مع مدنية الدولة ما دامت لا تعادي الدين.
وكم تستحضرني تلك السجالات التي تنشب في وسائل الإعلام والمنتديات الفكرية، من وقت لآخر، حول بعض القضايا الإسلامية ك (الختان، والنقاب، والمعاملات الربوية) وغيرها، بحيث ينفتح المجال أمام كل "من هبّ ودب" ليدلو فيها بدلوه، دون مراعاة للتخصص أو ما ينبغي من ترك الأمر لأهله، حتى أن بعض هذه المعارك يثيرها أقباط، كما يفعل نجيب ساويرس، ولم يقل أحد له ولا لغيره هذا شأن شرعي، أو كفوا عن الخوض فيما ليس لكم به علم، حتى بلغ الحال بهم إلى حد التدخل فيما يصدره الأزهر ومجمع البحوث الإسلامية من مؤلفات وأبحاث شرعية كما حدث مع كتاب "تقرير علمي" للدكتور محمد عمارة، وكأن قضايا الإسلام صارت مشاع للجميع.. في حين يجوز للآخرين أن يدفعوا بتمسكهم بتعاليم الكنيسة وتفاسيرهم لهذه التعاليم ولو في وجه القضاء نفسه!
ففي رده على قرار المحكمة الإدارية برفض الطعن المقدم منه وإلزامه بالتصريح لأقباط مطلقين بالزواج، قال البابا شنودة إنه لا يأخذ أوامر من جهات مدنية، لأن الأقباط يؤمنون بتعاليم الدين فقط، وحذّر الكهنة من تزويج أي شخص بناء على قرار المحكمة، وطالبهم بعدم الخضوع لأية تهديدات من أي نوع، قائلا حينما يطلب منكم أي شخص هذا الأمر قولوا له "الموضوع دا مع البابا شنودة".. في حين قال سكرتيره الأنبا أرميا "لا توجد قوة على وجه الأرض تستطيع أن تجبر الكنيسة على مخالفة تعاليم الكتاب المقدس والقوانين الكنسية لتنفيذ الحكم القضائي".
فقد استندت الكنيسة ورجالها في رفضهم حكم المحكمة الإدارية، الذي نص على أن "الحق في تكوين الأسرة حق دستوري"، إلى فرضية أنه جاء مخالفًا لتعاليم الإنجيل وقوانيين الكنيسة.. وأنا شخصيا ضد أن تفرض على الكنيسة باعتبارها مؤسسة دينية ما يخالف معتقداتها وتفسيراتها لهذه المعتقدات، وهو ما كان يستلزم البحث عن حل لإشكالية التعارض بين ما هو كنسي وما هو قانوني، في إطار القانون نفسه. إلا أننا وجدنا أنفسنا أمام مثال صارخ من الاستقواء الطائفي الذي يتحدى سلطات الدولة، وخاصة السلطة القضائية بما ينبغي أن يكون لها من احترام ولقرارتها من قدسية، لدى كافة أفراد وطوائف الشعب، وبما يؤكد من جهة أخرى قيمة المساواة، وهي أصل أصيل من أصول المواطنة، فضلا عن كون الجهة التي تبدي هذا التحدي جهة ذات اعتبار داخل بنية المجتمع، ما يحتم على ردود فعلها أن تكون أكثر مسؤولية لاعتبارات عديدة.
لكن وأمام امتناعه عن تنفيذ الحكم النهائي واجب النفاذ، دفع المتحدثون عن الكنيسة بكون البابا شنودة ليس موظفًا عامًا، أي لا يلزمه النص على حبس "كل موظف عام امتنع عن تنفيذ حكم قضائي"، مع أن البابا ليس متمتعًا بحصانة ما، فضلا عن كونه معين بقرار صادر من رئيس الجمهورية يحمل رقم 2782 لسنة 1971 وهو الذي قضى بتعيينه بابا للإسكندرية وبطريركا للكرازة المرقسية، وهو أيضا القرار الذي كان الرئيس السادات قد ألغاه عام 1981 إلا أنه أعيد العمل به بعد تولي الرئيس مبارك الحكم. وفي حيثيات حكمها ترى المحكمة الإدارية العليا ما تقوم به الكنيسة الأرثوذكسية من رعاية للأقباط "نشاط إداري دعت إليه اعتبارات الصالح العام"، موضحة أن القرارات الصادرة عنها على هذا النحو "إدارية تخضع لرقابة القضاء من حيث مدى مشروعيتها".
لكن البابا شنودة كان له رأي آخر، عبّر عنه بقوله: "أنا ممكن أكون طيب جداً، لكن إذا تعلق الموضوع بشيء يمس العقيدة، سأكون شخصًا آخر"، وهي كلمات موجزة وذات مغزى، استقبلها جموع من الأقباط وردّدوا صداها بطريقتهم على ما يبدو.. إذ دشن بعض شباب الأقباط مجموعة على موقع "الفيس بوك" للتضامن مع البابا، اختاروا لها عنوانا مثيرًا: "هنقلب البلد عاليها واطيها لو صدر قرار حبس أو عزل للبابا شنودة الثالث"، ووصف منشئ المجموعة التى اجتذبت آلاف الأقباط البابا، بأنه: "خط أحمر، وتجربة السادات غير قابلة للتكرار، والأقباط في داخل وخارج مصر عددهم يربو عن 22 مليون مستعدون للشهادة في حالة مساس باباهم العظيم بأي سوء"، هكذا وبصريح العبارة، فهموا أن باباهم مهدد فأعلنوا الاستنفار ووضعوا 22 مليون تحت أهبة الاستعداد.
وفي تصريح لممدوح رمزي نقلته وكالة "رويترز" حذّر المحامي القبطي من أن الحكم يمكن أن يغضب كثيرًا من الأقباط !! وهي "طرفة" أخرى كانت تدعو للضحك من مرارتها، إذ أنها تحمل معنى من الكارثية بمكان، لو فهمها الناس كما فهمها رمزي. فبمنطقه تكون أي جهة في حِل من أحكام القضاء ما دامت على غير المراد، وقد يكون من حقها ألا تنصاع للقانون إلا إذا وافق هواها.. وهو ما يعني أيضا أن القضاة يجب عليهم من الآن أن يبحثوا عمّا يرضي الأطراف المتنازعة قبل أن يصدروا أحكامهم، حتى لا تغضب هذه الأطراف، بغض النظر إن كان ذلك يوافق القانون أو يخالفه. وهو ما يفتح الباب على مصراعيه أمام الطوائف والجماعات المختلفة للطعن على الأحكام بحجة ما قد يثار من غضب تجاهها.
هذه ليست المرة الأولى التي تتخطى فيها الكنيسة حدودها كمؤسسة مدنية داخل دولة يفترض في مؤسساتها الالتزام بالقانون والدستور، اللذان يفترض أنهما يسريان على الجميع بلا تمييز، خاصة إذا استدعينا حادثة اختطاف السيدة "وفاء قسطنطين" التي جرى اختطافها بتواطؤ كامل من قبل بعض أجهزة الدولة، حتى أنه وبعد مرور هذه السنين ما زال لا أحد يعرف عن هذه المسكينة شيء، كيف تعيش؟ ولا حقيقة ما جرى لها؟.. والسؤال الذي يطرح نفسه مع هذا التكرار، إلى أي حد تعتقد الكنيسة ورجالها أنهم فوق القانون؟ وإلى أي مدى تعطي التشريعات للبابا شنودة وضعًا خاصًا داخل المجتمع؟ .. الذي إن ثبت، فهو يتعارض تماما مع نغمة الأقلية المضطهدة، التي يتغنى بها أقباط المهجر وأشياعهم في الداخل، ولربما يكونون أحوج الآن إلى استبدالها بنغمة أخرى تتماشى مع الوضع الجديد، قد تكون "الأقلية التي فوق القانون" أو "الأقلية المستنفرة" مثلا.
برأيي المتواضع يمس هذا النزاع وهذه الإشكالية بين ما تراه الكنيسة من خطوطها الحمراء وبين ما ينبغي أن يكون قانونًا يسري على الجميع صميم النظام العام داخل الدولة، وهو من باب آخر يفتح المجال لمزيد من الأحقاد بين مكونات المجتمع، في حال ضاعت المساواة، وسقطت هيبة القضاء، وجرى التشكيك في سيادة قانون واحد، واستمرت نبرة التحدي، وتعالت صيحات الاستقواء.
علي عبد العال


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.