يحبذ الكثير من الجزائريين التنقل إلى بيت الله الحرام خلال شهر رمضان الكريم من أجل أداء مناسك العمرة، تيمنا بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم أن عمرة في رمضان تعادل حجة معه. ولم يعد الأمر مقتصرا على الكبار في السن، بل تحول الإقبال عليها من طرف جميع شرائح المجتمع، حتى أن من بين عرسان شهر شعبان من اتخذوا من عمرة رمضان شهر عسل لهم وإذا كان التنقل إلى بيت الله الحرام لهذه الفئة مرادفا لبدء حياة جديدة في رحاب الله والتبرك بشعائر ديننا العظيم، فإن فئة أخرى تراها انتظرت سنين طوالا، وهي متشوقة لأداء عمرة رمضان وتحسب لها ألف حساب، ويكفيها أن توفر المتطلبات المادية لكي تشد الرحال إلى البقاع المقدسة.. دون التوقف عند مشاعر الأبوة والأمومة المرتبطة بالأبناء الذين سيتركونهم وراءهم، حتى ولو كانت فلذات الأكباد من المراهقين أو الأطفال الذين لم يسبق لهم أن افترقوا عن والديهم.. فيجد شبان وفتيات أنفسهم بين عشية وضحاها مقبلين على تحمل مسؤولية لم يعرفوها من قبل.. فترى الأخ الأكبر يحن على إخوته وأخواته بالسؤال عنهم في كل لحظة ومحاولة إرضاء كل واحد منهم بدل الدخول في الشجارات التي كانت الأصوات تتعالى فيها لأتفه الأسباب، و تجد البنت الكبرى نفسها في موقع الوالدة وهي تعمل على إلهاء أصغر إخوتها عن غياب الأب والأم، في حين تكون هي أقرب ما تكون للبكاء على فراقهما. دنيا، 18 سنة، تقطن بمدينة الورود، تنقل والداها ثالث أيام الشهر الفضيل إلى مكةالمكرمة من أجل أداء مناسك العمرة، قالت لنا إنها اشتاقت إليهما كثيرا حتى وإن لم تنقطع الإتصالات بينهم ولوليوم واحد، إلا أن البيت أصبح بدونهما خاويا. وعن تدبيرها لشؤونها وشؤون إخوتها في رمضان قالت لنا محدثتنا: “لقد طلبت والدتي من خالي وزوجته الحضور عندنا وفعلا فهم لم يفارقوننا ويحاولون قدر الإمكان مؤانستنا إلى غاية رجوع الوالدين الذي لن يكون إلا بعد العيد”. ولم تكد دنيا تنطق بكلمة العيد حتى اغرورقت عيناها بالدموع.. فهو أول عيد لها ولإخوتها بدونهما. حال أسرة دنيا ليس المثال الوحيد لاتخاذ الأولياء مثل هذه الإجراءات، كاستدعاء أحد أفراد العائلة للبقاء مع الأبناء قصد السفر إلى رحاب الله وهم مطمئنون على أولادهم. أما إذا كان الأمر مقتصرا على صغير أو صغيرين فعادة ما ينتقل هؤلاء إلى بيت أحد الأجداد فهم لديهم خبرة واسعة في التعامل مع نوبات الحنين إلى الآباء، والتي تنتاب الصغار ممن يرغبون في حضور “ماما” في اللحظة والحين، في حال أي مشكل ولو كان صغيرا. ومن التدابير المسبقة لرحلة العمر، الوصية على الحلويات الجاهزة من أجل التخفيف عن أفراد العائلة، إضافة إلى حملة نظافة للبيت أياما قليلة قبل السفر في ظل غياب من يتكفل بهذه العملية، وهذا تحسبا لاستقبال جموع المهنئين بالعمرة بعد عودة المعتمرين. ولا يبقى التفكير إلا في الأبناء الصغار الذين سيقضون رمضانا طويلا.. لينحصر تفكير هؤلاء في اليوم الذي سينتقل فيه جميع أفراد العائلة إلى المطار من أجل استقبال ضيوف الرحمن الذين يكونون بدورهم بشوق إلى الأبناء، حتى وإن كانت فرحة الوصول إلى بيت الله الحرام وزيارة قبر نبيه الكريم أسمى من كل مشاعر أخرى.