مازالت آثار "ثورة الياسمين" بادية على "وجه" العاصمة، تونس، وعلى شوارعها الرئيسية، ومازالت الكتابات الحائطية المنادية برحيل بن علي وحزب التجمع الدستوري الديمقراطي واسم البوعزيزي تغطي واجهات البنايات، ومازالت الأسلاك الشائكة تقسم شارع بورقيبة الذي احتضن الانتفاضة طيلة أيام الانتفاضة الى قسمين، ومازالت الدبابات تحرص مداخل المؤسسات الرسمية والجنود يتجولون بزيهم العسكري وسط الشوارع، وبدأ الحجاب يغزو الشارع وباعة الخُمُر والكتب الدينية يعرضون بضاعتهم على الأرصفة .. لا حديث للناس في الشوارع والمحلات والمقاهي إلا عن الثورة وعن فساد عائلة بن على والطرابلسية التي عاثت فسادا في البلاد .. مزيج من الفرح والقلق على المستقبل، خاصة وأن قطاع السياحة، عصب الاقتصاد التونسي، يشهد منذ الانتفاضة ركودا، خاصة في أيام الذروة السياحية هذه الأيام .. خوف على المستقبل احتل مكان الفرحة بالانتصار، والانتصار على النظام مازال لم يكتمل، ولا أحد يمكن أن يتكهن بمواصفات الرئيس القادم، ولا أحد راض عن وجوه النظام القديم في الحكومة الانتقالية، وحدها صورة الجنرال رشيد عمار تملأ ألواح الإعلانات والصفحات الأولى للمجلات والجرائد، وكل الكتابات الصحفية تمجد هذا الرجل وتصفه بالنزيه والمتواضع الذي جنب البلاد السقوط في الهاوية التي خطط لها جنرال آخر اسمه علي السرياتي، الذي أجبر – يقول من تحدثنا اليهم- بن علي على الرحيل، وأراد اغتيال رشيد عمار والغنوشي والمبزع ليتسنى له إحكام قبضته على الحكم في تونس، إلا أن الجيش تصدى له، وهو الآن رهن الاعتقال .. صحيح أن البلاد تخلصت من جشع آل الطرابلسي وآل بن علي، لكن الأحوال ليست على ما يرام، وما بعد بن علي ليس آمنا بعد، والصحافة التونسية التي تحررت هي الأخرى وأطلقت أقلامها ولسانها لانتقاد فترة حكم بن علي وفتحت صفحاتها للمعتقلين والمبعدين وكل المغضوب عليهم من النظام السابق، إلا أنها لا تتحدث بصراحة عما يجري في تونس من اختطافات ومن جرائم، مثلما أسرت لي شخصية تونسية معروفة بنضالها، فالاختطافات تستهدف الجميع لتجريد الناس من أموالهم ولباسهم، واغتصاب النساء، حتى أن سيدة لقيت حتفها منذ أسبوع بسبب تعرضها للاغتصاب .. مازالت ميليشيا ليلى الطرابلسي والأرسيدي تعيث فسادا في تونس، وهو ما يثير سخط التجار وأصحاب الفنادق الذين توقفت أعمالهم بسبب التسيب الأمني .. فلأول مرة في تونس أسمع سيدة تنصحني وأنا أغادر المصرف أن آخذ حذري من اللصوص.. ورغم أن الكل يتفاخر بالثورة والإنجاز العظيم الذي حققه الشعب التونسي إلا أن هناك من هو ساخط على الوضع خوفا من استمرار الركود الاقتصادي .. وأكبر الساخطين هذا التونسي الذي التقيته بمكتبة بشارع بورقيبة، قال إن الشرطية لم تظلم البوعزيزي عندما صفعته، فقط هي حاولت الدفاع عن كرامتها، لما أخذت من وحدات الوزن التي يزن بها الخضر فرد عليها المرحوم غاضبا بماذا سأزن إذن؟ وهل سأزن بثدييك ؟ نعم هناك شهود سمعوا هذا الكلام – يقول محدثنا- لكن الصحافة لا تتكلم. زيارتي كانت قصيرة إلى تونس، وهذا ليس بتحقيق، بل فقط انطباعات سريعة نقلتها من هذا البلد الجميل.