مع توحدي الكامل بصوت الشعوب في مناهضة ومقارعة جلاديها بالنضال الواعي المستمر المتجدد إلا أنني لا أملك إلا أن أضرب كفا بآخر حين أقلب النظر في الثورات الجديدة التي هبت رياحها من قارات أخرى على الشمال الإفريقي تحديدا، وهاهنا لا يمكنني - وأحسبه شأن كل جزائري - أن أقبل بكلمة الثورة فيما يحدث من غضب عاصف في ممالك إخواننا العرب المسلمين. نحن الجزائريين نعرف معنى الثورة جدا لا هزلا إن لم نكن نحن من بعث هذه الكلمة بين العالمين وقليل من التاريخ يكفي ليسقط عني تهمة الشوفينية العمياء، والحال فإن لكلمة الثورة في وجداننا عالم آخر يمتد في اللامتناهي من البطولة، الفحولة، الألم، الفجيعة، الجحيم، والموت والولادة على السواء. وهي ثورات تبدو في ظاهرها نشيدا من أجل الحرية لكنها تحمل في جوفها حراما ينذر بعار تجدد الاستبداد أو عودة الاستعباد، استبداد أبناء البلد الأثرياء الذين يتناسلون بشكل خرافي على سرير المال العام، واستعباد يزفه إلينا خائنون عملاء في موكب من الدبابات والمجنزرات تنتظر إشارة بدء السباق نحو الذهب الأسود النائم في خصية الوطن العربي تنتظر شهوة سادة العالم. وما العراق الماجد عنا ببعيد وكفى به مثالا وحجة كالشمس في ضحاها، ولكن يبدو أن الذاكرة العربية صارت كالعهن المنفوش، ومع هذا وذاك فإن الحكام العرب والمسلمين لا فرق بينهم صاروا مازوشيين يشتهون صفعات هولاكو حد الهوس، وبالمقابل يولون الدبر لمآسي شعوبهم يتركونها نهبا للأوجاع وللأفكار الاستدمارية وعلى نفسها تجني براقش. حكام أصيبوا بداء عمى البصيرة، لكنهم حين يواجهون مرايا القصور الكرتونية وقد تدلت عمائمهم وحفرت التجاعيد أخاديد على الوجه عديم الوهج يقولون ما أشبه الليلة بالبارحة، ويبكون ملكا كالنساء لم يحافظوا عليه كالرجال كما قالت عائشة التيمورية لولدها عبد الله الخليع وهو يولول على سقوط الأندلس. بعد السأم الحاد الذي بلغ الحلقوم هذه الأيام جراء الثورات الجديدة التي تساقط من كل قلب وظهر، وباتت عنوانا لكل الأعراس والمآتم كنت سأتناول مأساة صورة الجزائر في بعض بلدان الخليج حيث شاهدت على قناة الشارقة في برنامج "في حضرة الكتاب" المخصص لرواية ذاكرة الجسد لأحلام مستغانمي - وهم مشكورون على هذا الحب - أن الروائية سارة الجروان وقد تملكت الدهشة ضيوف البرنامج لأن روائية جزائرية كتبت بلغة عربية راقية ومشرقة وشاعرة، قالت الجروان أن ذلك غريب لأن حوالي 90 بالمئة من الجزائريين يتحدثون الفرنسية، وتألمت لاستغرابهم أن يجيد الجزائري العربية، ولجهلهم بالوضع اللغوي في الجزائر وهل يحتاج هذا إلى تعليق، بالتأكيد يحتاج إلى نضال ثقافي جديد لأن صورة الجزائر على الأقل في بلدان عربية مازالت غير صحيحة ومشوهة حد القرف مع وجود سفراء هناك أخالهم لا يجيدون لغة الضاد، قد أعود إلى ذلك في المستقبل القريب فالمد الغاضب اجتاح حتى الرغبة في الكتابة. أعود إلى الثورات الجديدة لأهمس بين إخواني من أبناء الجزائر، أيها الشاب الجزائري تحرر بالعلم والمعارف والفنون والإبداع من قيد الجهل والخوف والإحباط واليأس، واجهر بأحلامك في وضح النهار، لا تقية في الحلم، ولا تهب روحك للعاجزين المقعدين، لا تكن فحلا لإخصاب مشاريع عبثية لا ناقة لك فيها ولا جمل ولا فأر، قد أنت خطوبك وحروبك ولا تكن سلس القياد لأنك ببساطة لست قاصرا، وتذكر أن الجليل الشيخ محمد البشير الإبراهيمي قال "كيف تحرر بدنا عقله ما زال عبدا".