يجمع الخبراء والمراقبون على أن ثورات الشعوب العربية الأخيرة، تعتمد بشكل كبير على وسائل الإعلام سيما منها التفاعلية التي أضحت تدفع بقوات مكافحة الشغب في الدول العربية، إلى محاصرة الميادين العامة وإلقاء القبض على أي فرد يقصدها مدفوعا برسالة جاءته عبر الفايس بوك أو تويتر البحرين.. شوكة في حلق العربية والجزيرة لا تزال وسائل إعلام الدول العربية خاصة منها الثقيلة قريبة مما يحدث، فهي لم تبتعد كثيرا عن المواطن العربي بشكل أو بأخر، رغم أن عديد من القنوات العربية التزمت الوفاء للأنظمة وهي في خريف العمر، بعد أن قررت الشعوب خلعها وترحيلها وحتى مقاتلتها كما في ليبيا، التي تحول فيها ميدان تحريرها إلى ميادين للحرب والدمار. وفي تفسيره لغياب التغطية المتوازنة والحيادية للأخبار التي تتناول موضوع التغيير في العالم العربي تحت ضغط الإرادة الشعبية، أوضح الدكتور محي الدين عميمور، وزير الإعلام الجزائري السابق ل”الفجر”، أن الإعلام بشكل عام أصبح مؤخرا لا يهتم إلا بالتركيز على فورية الخبر، وأن التنافس على السبق أضحى أولوية من أولويات الوسائل الإعلامية العربية مهما كلفها ذلك من ثمن، فعلى حساب الحيادية فهي تتعامل مع الخبر على أنه سلعة سريعة التلف ولا يهمها دون تقديم محتوى معرفي يلقي الضوء على خلفية الأحداث بقصد لفت الأنظار لها والعمل على حث الجهات المسؤولة لمعالجتها، أو لخلق وعي شعبي تجاه ما يدور حولهم. وقال عميمور: “ليس هناك حيادية في الإعلام بشكل عام لكن هناك انحيازا ذكيا وتحيزا غبيا”. وعن دور قنوات الإعلام الجزائرية، أضاف الوزير السابق: “وسائل إعلامنا الجزائرية ما هي إلا أوركسترا غير مضبوطة الأوتار تعزف كل لحن تتصوره يؤدي إلى أن ترضى السلطة عنه”. البحرين.. شوكة في حلق العربية والجزيرة أوضح عدد من الصحفيين العاملين في قناة العربية، تحفظوا من نشر أسمائهم، أن عامل العلاقات الثنائية التي تجمع السعودية بدول الخليج تحديدا منها البحرين، هي ما حتم على قناة العربية التي تكون ممولة من رأس مال سعودي التزام الانحياز المطلق مع نظام البحرين الممثل في شخص الملاك حمد بن خليفة، إذا ما اقتضت الأحداث تسليط الضوء على ملف الاحتجاجات في البحرين. وفي تصريحات خاصة ل”الفجر”، أكد صحفيو العربية على أن تغطية قناة “العربية” تتسق مع مواقف السعودية المعلنة تجاه الأحداث الساخنة في المنطقة العربية، أو حتى في العالم. مشيرين إلى أنهم يتلقون تعليمات صارمة من القيادة السعودية تتضمن تلميحات حول الزاوية المناسبة لتغطية أي حدث. ومن ملاحظة العناوين التي يركز عليها موقع العربية، يتضح لنا كيف تتعامل القناة بشكل منفصل مع كل حدث، فنجدها تضع عناوين توحي بأن الأحداث في البحرين ما هي إلا أحداث طائفية تقف وراءها أصابع أجنبية عادة ما تكون إيران حسب رواية العربية، كمثل هذا الموضوع المنشور على موقع العربية بتاريخ 18 مارس 2011م، والذي تقول فيه العربية: “بعد توقيف رموز “الجماعات المتشددة، مراقبون: ما حدث في البحرين مخطط إيراني لقلب نظام الحكم وتدمير المملكة”. وهذا العنوان الذي توجه من خلاله اتهاما واضحا لإيران بأنها من يقف وراء عملية التشويش: “عربسات تحذر من تشويش إيران على قنوات الخليج، البحرين تتهم قنوات العالم والمنار وأهل البيت بإثارة النعرات الطائفية”. وعناوين أخرى لم تتوقف عن توجيه الاتهام إلى إيران حتى فيما يتعلق بشأن بعيد عن البحرين كهذا العنوان المنشور على موقعها والذي جاء فيه إيحاء واضح بأن مؤامرة تحيكها إيران لضرب استقرار الكويت في هذا الخبر الذي عنونته ب:”فاجأ الكثيرين لتحدثه بلكنة إيرانية، استياء في الكويت لانتقاد صحيفة مملوكة لشيعي دخول قوات سعودية للبحرين”. من جهة ثانية لا تجد العربية حرجا في المبالغة في الانحياز إلى ثوار ليبيا ضد القذافي، ومعتصمي اليمن المطالبين برحيل نظام رئيسهم على عبد الله صالح، فلم تتوقف العربية عن تأييدهما إلى درجة نجد لها عناوين مثل المنشور على موقع العربية بتاريخ، 21 مارس 2011، وتكشف فيه العربية أن رفض الشارع اليمني لعبد الله صالح بلغ ذروته إلى درجة إعلان جميع فئات الشعب الخروج عن طاعته بمن فيهم رئيس الاتحاد اليمني لكرة القدم الذي ينضم إلى المطالبين بإسقاط النظام، وتقول العربية إنه انشق عن عبد الله صالح محتج على قمع نظام اليمني للمظاهرات السلمية. وفيما يبدو أن العربية قد ضلت الطريق نحو الحيادية في موضوع البحرين، نجدها عرفت طرقا مختلفة لتأييد ثوار بنغازي، كان أحد الطرق لتأييدهم من وجهة نظر العربية هي السخرية من القذافي كما في هذا الموضوع المنشور على موقع العربية بتاريخ 20 مارس 2011م تحت عنوان: “القذافي يشارك الإسرائيليين في “المساخر” ويتجول بينهم مع مرافقاته”. كما يمكن تسجيل عملية “فلترة” واضحة لكل التعليقات التي ترد من قراء موقع العربية في المواضيع ذات صلة بأزمة البحرين، العربية التي كانت في وقت سابق فتحت مجال تبادل الإهانات بين الجزائريين والمصريين في مساحات التعليق حول الأخبار، لا تسمح بحرية التعليق في موضوع البحرين وتحذف كل تعليق يؤيد مناهضي النظام البحريني. هذا، واعتبرت نجاة كامل، الأستاذة بكلية الإعلام بجامعة القاهرة، أن موقف الجزيرة أيضا، من ثورة البحرين، مخز، على حد وصفها، وقالت في اتصال مع “الفجر”: “الجزيرة تجاهلت البحرين تماما، وتبنت خطاب النظام الحاكم وصورت المشهد في البحرين على أساس أنه أزمة شيعية وطائفية”. ويتساءل عدد من الخبراء عن سرّ فتح الجزيرة لكل تلك المساحة في التعليق على الثورات الشعبية لمفكر عربي واحد هو عزمي بشارة، رغم ما لها من إمكانيات تأهلها لإغراء أكثر من مفكر ليكون ضيفها. وفي هذا الصدد، قال الدكتور أحمد يوسف، مدير معهد البحوث والدراسات العربية، ل”الفجر”: “إن التضليل الإعلامي بدأ يشق مساره رويدا رويدا وتجلى ذلك بأوضح صورة من خلال الحملة الموازية لحرب تموز 2006 في لبنان، وأيضا مجزرة غزة الأخيرة”. وأوضح الدكتور أن التضليل أشكال، يعتبر العبث بمفاهيم أساسية وراسخة في الوعي الشعبي أبرزها كمصطلحات “المقاومة، الشهيد، الحرب، العدوان، الاحتلال”. وقال يوسف: “تتعرض المصطلحات للتغيير في محاولة لتغيير دلالاتها بما يتفق وتوجهات مجموعة من النظم السياسية، وأحيانا يتم نقل وتداول المصطلحات والمسميات الغربية كما ترد في الوكالات العالمية دون أي تمحيص في معانيها، فتصبح الوسائل الإعلامية ناقلة للتضليل ولو بشكل غير مقصود”. موقع الجزائر من أحداث ليبيا لا يلفت انتباه اليتيمة رغم حساسية الأزمة الإنسانية والسياسية والأمنية في ليبيا، وما يشكله موقع القرب الجغرافي الحدودي للجزائر مع ليبيا، من مؤشرات حمراء دفعت بالقيادات العسكرية الجزائرية لاتخاذ تدابير أمنية احترازية استثنائية على حدودها مع ليبيا، إلا أن مشهد خطورة الأوضاع لا يزال بعيدا عن عدسات كاميرات مؤسسة التلفزيون الجزائري. فمنذ بداية الثورة الليبية يوم ال17 فيفري المنصرم، كانت أخبار الأحداث الليبية ضئيلة جدا على شاشة القنوات الجزائرية، رغم ما أولته القنوات العالمية من أهمية قسوة بالأحدث، وتسخيرها لطاقتها من مراسلين وبث مباشر ومتابعات يومية من خلال ضمان تغطية متواصلة للأحداث، فلم تقم مؤسسة التلفزيون الجزائرية بإرسال مبعوث لها إلى ليبيا، عدا موفد قام بتقديم تقرير قصير جدا من فوق السفينة طاسيلي التي كانت الجزائر أرسلتها لإجلاء رعاياها هناك. مع تسارع وتيرة الأحداث في ليبيا، التي يتوقع لها الخبراء عواصف تغيير تمتد تبعاتها على كامل الشمال الإفريقي، لا تزال القنوات الجزائرية تنظر في تغطيتها إلى ليبيا كجزء من التغطية الروتينية للأحداث الدولية، التي لا تقدم تفصيلا وتكتفي بنقل خبر أو اثنين من وكالات الأنباء العالمية المتعاقدة مع التلفزيون الجزائري. تلفزيون الدولة مع النظام حتى يسقط أدان المئات من الصحفيين في مختلف الدول العربية التغطيات الإعلامية الحكومية وتغطية تلفزيون الدولة والقنوات التلفزيونية الخاصة المدعومة من طرف الأنظمة التي يطالب الشعب بنزولها، ورغم ما وصفت به تغطيات وسائل الإعلام الرسمية في تقارير حقوقية بأنها تمارس جريمة مهنية وأخلاقية لا تقل خسة وبشاعة لقيامهم ببث مواد وأخبار مزورة أو ملفقة وعلى نحو فاحش بهدف حجب الحقائق الساطعة عن الرأي العام ومحاولة تشويه ثورة الشباب، إلا أن القنوات الرسمية ظلت وفية للنظام، لكنها عادت إلى إعلان التوبة في تونس وفي مصر بعد سقوط النظام، وشاهدنا كيف حولت عدسات القناة المصرية الأولى نحو أصوات شباب ميدان التحرير، كما غيرت القناة التونسية اسمها إلى القناة الوطنية. ويصف المختصون هذا التحول بالطبيعي، والمتوقع، ويعتبر المحللون أن الأزمة التي يمر بها الإعلام العربي كبيرة ومعقدة، خصوصاً أنها تلتقي مع عدة خطوط متشابكة ومتعارضة بين السياسة ومصالحها، والاقتصاد واستثماراته، والقيم بين الثبات والتغير. وتسعى الحكومات للاستعانة بوسائل إعلام الدولة للعب دور إيجابي يعكس مصالحها فيما بعد، ولكن ولأننا نعيش عصراً إلكترونياً يفرض انفتاحاً في كل يوم أكبر وأوسع من اليوم الذي سبقه، لن يكون في المستقبل للحكومات سلطة عليا على الرقابة الإعلامية. وهو ما يصنعه الإعلام البديل. مواقع التواصل الاجتماعي تهدد وكالات الأنباء ووصف الدكتور نبيل محمد، أستاذ الإعلام بجامعة الكويت، شبكات التواصل الاجتماعي التي قامت بتغطية أحداث ثورات الشعبين المصري والتونسي، وصفها بالشبح الذي لن يرحم وكالات الأنباء التي قد تتعمد تزييف الحقائق. وقال في اتصال مع “الفجر”، إن المواطن العربي اكتشف في وسائل الإعلام الجديد قدرة على تنظيم الكم الهائل من المعلومات، دون أن يكون هدفهم السيطرة أو التلاعب بعقول الناس وحشد الرأي العام لصالح قرارات معينة كما يحدث في وسائل الإعلام الرسمي. وأوضح الدكتور أن ما ينقص شبكات الرصد الإعلامية الجديدة هو المزيد من التنظيم حتى يصبحوا مصدرا موثوقا يتحدى جسارة وكالات الأنباء. وتزامن ظهور شبكات رصد عبر الأنترنت، مع بداية موجة الاحتجاجات في تونس ومصر كنموذج اتصالي إخباري جديد ساهم بشكل كبير في تقريب المتابع لأحداث الثورات الشعبية.