مهما كانت الجهة التي تقف وراء تحريك الشارع العربي، وبغض النظر عن الهدف المرسوم من ورائها، فإن المسؤولية الأولى تقع على عاتق الأنظمة المتهالكة الهرمة، أنظمة لم تسلب الإنسان العربي الحرية والحق في العدالة وفي التقسيم العادل للثروات الوطنية فحسب، بل الأخطر من ذلك أنها لم تهيّئ الإنسان العربي ولم تعمل على تنشئته تنشئة سوية وتعده إعدادا يتماشى مع المستويات العلمية والفكرية التي بلغتها الإنسانية، ومن أين تأتي التنشئة السوية، عندما تنعدم الحرية وحرية الفكر والتعبير التي تحرمها الأنظمة العربية، أنظمة لا تحسن إلا التسبيح بحمد الحاكم آناء الليل وأطراف النهار؟ نعم، الأنظمة هي المجرم الأول على ما لحق بالإنسان العربي من تجهيل وتفقير، ومن استغلال لثرواته ومن ظلم الإمبريالية تحت كل أشكالها، لأن هذه الأنظمة التي خلفت الاستعمار، استعملت نفس الأساليب التي استعملها هذا الأخير في حرمان المواطن العربي من حقه في المواطنة، ومن حقه في العلم والتنوير، حتى يبقى في حالة استعباد وجمود ولن يثور على الأنظمة. حتى الحراك الذي يعرفه الشارع العربي اليوم، ورغم رفع شعارات الحرية والديمقراطية والتغيير ورحيل الأنظمة، هو الآخر مخيف، بل مرعب، ولا يبشر بمستقبل أفضل لهذه الشعوب، إلا في بعض الحالات الاستثنائية. فالصورة التي تنقلها الفضائيات عن المحتجين في معظم العواصم العربية هذه الأيام، هي عن إنسان ممسوخ الهوية، يكرر كالببغاء نفس العبارات، حاملا نفس الشعارات، من تونس إلى صنعاء، مرورا بالقاهرة وبنغازي ودمشق.. إنسان قبلي طائفي أو جهوي، يرفض الآخر إن لم يكن من قبيلته أو من جهته، أو من غير طائفته الدينية، وهو ما يتنافى ومبادئ الديمقراطية بمفهومها العلمي. فمن أين يأتي نجاح هذه الثورات؟ وإن نجحت فمن يضمن لهؤلاء أنهم لن يسقطوا تحت سطوة أنظمة لا تقل دكتاتورية عن سابقاتها، تلتف حول مكاسب ضئيلة قد تتحقق من وراء هذا الحراك. فالضمان الوحيد لكي لا يعيش المواطن العربي ما عاشه قرونا مضت، قبل أن يسعى للانتقام، أن يحمي الثورة بالاستثمار في الإنسان ببرامج تربوية علمية، بعيدا عن التضليل الديني، وبالعمل على نشر الوعي باستعمال العقل والمنطق. فالصورة التي تبثها الفضائيات عن الثوار، خاصة في ليبيا واليمن وسوريا هي صورة الإسلاموي، التيار الذي يكفر بالديمقراطية، لكنه لا يتوانى عن استعمالها مطية لقلب الأنظمة وتحقيق الدولة الإسلامية بالمظاهرات بعدما فشلت في تحقيقها بالسلاح مثلما حدث في الجزائر.