وأخيرا تمكنت الفصائل الفلسطينية من التقارب، وجلس ممثلو حماس إلى طاولة الحوار مع محمود عباس، وها هي الوحدة بين الأطراف الفلسطينية التي كنا نظن أنها مستحيلة تصبح ممكنة، إلى درجة أنها أربكت رئيس الوزراء ناتنياهو، وبدا الارتباك عليه كبيرا إلى درجة أنه خيّر عباس بين السلام مع حماس أو السلام مع إسرائيل، وكأن عباس وزير من وزراء حكومة ناتنياهو، أي السلام مع شعبه (حماس) أو الحرب، وإن كان في الحقيقة رد عباس لا يقل غرابة أو ارتباكا منه عندما خيّر ناتنياهو بين السلام أو المستوطنات بدلا من أن يخيّره بين السلام أو الحرب، لأن ناتنياهو سيختار طبعا المستوطنات، وأمنيتي أن تختار فلسطين الموحدة السلام مع حماس وغير حماس من الفلسطينيين، وتختار مع إسرائيل المقاومة والحرب حتى النصر أو الاستشهاد، مثلما كان يردد عرفات رحمه الله. فهل كانت الأنظمة العربية التي تواجه اليوم تسونامي الغضب من قبل شعوبها هي حجر العثرة الذي حال دون تقارب الأطراف الفلسطينية وإنهائها الخلاف؟ وأقصد بقولي هذا صراحة نظام مبارك ورئيس مخابراته عمر سليمان.. فهل الإطاحة بمبارك حررت عباس من القيود المصرية التي كانت تحرص على مصلحة إسرائيل أكثر من حرصها على مصلحة الفلسطينيين؟ صحيح أن المجلس العسكري المصري هو الذي رعى الاتفاق، لكن ليس بالمواصفات التي كان يريدها مبارك، ولا أدري إن كان الموقف المصري نابعا من استقلالية قراره عن إسرائيل، فهي لم تلجأ إلى تنسيق مسبق معها مثلما كان يفعل مبارك ونظامه، فمبارك مثله مثل ناتنياهو كان يرفض أي اعتراف بحركة حماس ولم يكن يقبل بأي تقارب بينها وبين السلطة الفلسطينية. الآن فقط استرجعت ثقتي بالقضية الفلسطينية، لأن الفلسطينيين اليوم هم من يقررون سياستهم مع المحتل، وليس نظام مبارك المتهالك الذي كان يبحث عن توريث عرش مصر مقابل بيع القضية الفلسطينية، ومن خلال تجويع سكان غزة ودعم الحرب التي استهدفت أطفالهم وخنقهم ببناء جدار العار وبغلق كل المعابر والمنافذ المؤدية إلى القطاع. ثورة مصر لم تحرر المصريين فقط من خوفهم، بل ها هي تكسر جدار الحصار على غزة، والحصار على السلطة الفلسطينية، وهذا هو سر الرعب الذي تملّك ناتنياهو.