"نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا"، لا أدري علام أركب هذه البداية الدرويشية في كتابة سطور وفاء لمهرجان أسدل الستار على طبعته الأولى منذ يومين فقط، هناك في أقاصي الصحراء، في مدينة إليزي، وهي قلعة من قلاع التوارڤ، كانت إذا الطبعة الأولى من مهرجان الحياة الذي نظمته رابطة الحياة برعاية رئيس الجمهورية ووالي إليزي، والصراحة التي لا غبار عليها أنني ومنذ عودتي من المهرجان لم أقدر على لملمة ما اعتراني من شعور يختلف وما يراودني من فكر إزاء ما رأيت لا يأتلف دائما، لعل تسارع الاكتشاف تارة أو الدهشة والصدمة تارة أخرى هو الذي يبقي على هيجان بحر الفكر والوجدان على السواء ولذلك هناك تحب الحياة إذا ما استطعت إليها سبيلا. عطفا على الذي سبق لنا أن نتساءل، وماذا يمكن أن تكون الحياة في جوهرها ؟ أليست هي في النهاية رغبة في الحياة أو بحث عن الحياة، أو توليد للحي من الموات كفعل مقاومة ومدافعة لصروف الحياة والطبيعة، هكذا على الأقل يمكن أن تفهم الحياة لتتأكد من هذه المقاربة في إليزي وفي مهرجان الحياة حيث كان في غاية الصعوبة بناء مهرجان يهتف بالحياة دون الالتفات إلى شراسة الطبيعة على جمالها وسحرها، ومن غير الخوف من قيظ شهر جوان وكان التحدي أن افتتح مهرجان الحياة في أطول يوم في السنة، وفي ولاية ما تزال بكرا على كافة المستويات اللوجيستيكية، وهو الأمر الذي يحمد للسلطات المحلية من جهة على التحدي ويدفع بهم من جهة أخرى إلى بحث كافة السبل والطرائق لإخراج المدينة من حالة السكون عبر إعمارها وتوفير الضروري من المرافق التي تنهض برغبات وطموحات أبناء المنطقة ما يسمح في المستقبل بخوض تجارب مهرجانات وطنية كبرى ودولية، إذ لا حل إلا في المعرفة وتنمية الذكاء والإبداع على غرار تجربة مهرجان الحياة الذي يجب له المزيد من الدعم والتشجيع وهو في المهد. هي المهرجانات إذن التي ستكون القلعة الحصينة ضد كل أشكال المخاطر المحدقة بالشباب من الخارج أو من الآفات التي تضرب سواعد الأمة، ومن نافلة القول التذكير بأن الجهد المعرفي والثقافي والتنويري في درء المفاسد وبناء الأمم هو الرأسمال الحقيقي لأية دولة لأن استثمار في الإنسان. وبجهد جبار لرابطة الحياة وهي جمعية متواضعة قامت لتكون درعا في الصحراء ضد كل أشكال الانحراف المحدق بأبناء الجنوب الجزائري الفسيح، في زمن لم تعد الرمال مصدر السحر والإمتاع فحسب، وإنما صارت مسرحا لكل أشكال العنف والانحراف والعبث بحياة الناس ومقدرات الأوطان، وهو الأمر الذي لمسناه من خلال برنامج المهرجان الذي جمع بين العلم والفنون، حيث تم التركيز على الشباب والمرأة من خلال ندوة الشباب وحب الوطن، وكذا ندوة المرأة وقيم الأسرة إلى جانب الدروس الدينية التي قدمت على هامش حفل الزواج الجماعي ل50 عريسا من الولاية حضرتها أسماء كبيرة على غرار كمال بوزيدي، العراقي الحمزاوي، وكان الإمتاع حاضرا أيضا من خلال حفلات الإنشاد التي أمتع فيها المنشد العراقي العزاوي، والسوري يحيى حوى إلى جانب الجزائري كمال أشرف من الوادي. من هنا لا يمكنني وفي هذا المقام إلا أن أشد على أيدي منظمي مهرجان الحياة لأن مزايا الحدث وإن كثرت - وهي بلا شك كثيرة - لا يمكن أن تعادل المزية الكبرى التي يمكن أن نختصرها في تحريك الساكن وإحياء القلوب وبعث الأمل، واستصلاح النفوس لتكون يدا واحدة للبناء، لا معولا لضرب الجماعة والأمة، فضيلة رابطة الحياة من خلال رئيسها المهدي أكسور أنها ألقت حجرا في المياه الراكدة، وليكن الختام بطعم درويش دوما ومع الحياة لنقول رغم الداء والأعداء "على هذه الأرض ما يستحق الحياة".