نجح شباب فرقة ''تادميت'' القادمين من أقصى الجنوب الجزائر وحطوا الرحال بجوهرة الشرق عنابة للمشاركة في فعاليات المهرجان الثقافي للمسرح المحترف، في تمرير الرسالة التي حملها عرض ''الزواج الجماعي'' الذي شرّحوا فيه ظاهرة العنوسة وأسباب عزوف الشباب عن الارتباط والظروف التي شكلت في مجملها مفارقات عصفت باستقرار الأسر والمجتمع بصفة عامة، فكان الانتشار الواسع لمختلف الآفات من انحراف وتعدٍ على الأعراف والعادات قبل أن تظهر فكرة الزواج الجماعي التي نجحت إلى حد بعيد في التقليص من هذه الظواهر، واستحقت أن تكون سلاحا يجب أن يعمم لربط الصلة من جديد بين قلبي حواء وآدم··· تدور أحداث المسرحية وسط بيئة صحراوية لا يزال أفرادها يعيشون وفق ما سطّره الأجداد، حيث كانت للرجل سلطة القرار ورب الأسرة الآمر الناهي الذي لا حق لأي كان في الاعتراض على ما يقول، بما في ذلك رفضه لأي عريس لا يتوافر على الشروط التي وضعها لتزويج بناته· القاعدة التي راحت ضحيتها المدعوة زليخة التي تجاوزت العقد الرابع من عمرها، لكن لا أحد تقدم لخطبتها بسبب شروط والدها التعجيزية قبل أن يحاول أحد شباب القبيلة كسر هذا الحاجز من خلال إرسال عمه لخطبتها له، وهو الذي لا يملك شيئا سوى حبه الصادق واقترح أن يكون عرسه في إطار الزواج الجماعي الذي تعتزم القبيلة إقامته، وذلك بعد موافقة أب العروسة· فقد أعاد النظر في أفكاره ورأى أنه كان ظالما وتسبب في تضييع سنين طويلة من حياة ابنته التي قضت شبابها بين المطبخ تلبي رغبات أمها ووسط الزريبة ترعى قطيع والدها· جاءت المسرحية التي امتدت أحداثها إلى ما يربو عن ساعة من الزمن بتصور جديد ألبس المواضيع التي تطرقت إليها حلة جديدة تختلف عن تلك الصورة النمطية التي ألفنا مشاهدتها فوق الخشبة سعيا من أفرادها الهواة إلى إيصال رسالة يعاني منها ملايين الشباب في الجزائر، وهو ما خلق نوعا من التفاعل وسط الحضور الذي اكتنفته مشاعر الألم والأمل، وعبّروا عن ذلك بتعليقات تنوعت بين ساخرة وأخرى جدية أعاد من خلالها الكثيرون حساباتهم على أمل أن لا تعيش النساء تجربة كالتي خاضتها بطلة المسرحية، ولا يمر الرجال بصعوبات كالتي واجهت العريس قبل أن ينجح في بناء أسرة· المثير أن الفرقة بالرغم من الإمكانيات البسيطة التي توفرت لديها، إلا أن الشباب القائم عليها يؤكد عزمه على المواصلة من أجل إنقاذ الحركة المسرحية في الجنوب، ولعل أكبر دليل على ذلك تأدية الأدوار النسائية من طرف ممثلين رجال في ظل غياب ممثلات في الفرقة· تجدر الإشارة إلى أن الستار رفع مساء الثلاثاء من الأسبوع الماضي عن التظاهرة التي ستتواصل إلى غاية ال 13 من الشهر الجاري في طبعتها الخامسة، وقد نشط سهرة الافتتاح فرقة ثيزيري القادمة من الجزائر العاصمة بعرض ''الإمبراطور والمهندسة''، وتتنافس على المرتبة الأولى المؤهلة للمهرجان الوطني للمسرح المحترف خمس فرق هي فرقة تادمايت للمسرح من جانت بإليزي، فرقة الإبداع وتوزيعه بباتنة، فرقة العقد لجمعية كانفا المسرحية من برج بوعريريج، القمرة لفرقة المرايا الثقافية من قسنطينة والسراب الأحمر للمسرح المحترف بتبسة· العيد رزوق رئيس فرقة ''تادمايت'': مازلنا نكافح في انتظار أن تلتفت السلطات لوضع الثقافة في أقصى الجنوب أولا، هل حدثتنا عن فرقتك المسرحية؟ فرقة ''تادميت'' هي فرع من جمعية ''تاغيت ناجر''، وفكرة تأسيسها ظهرت سنوات السبعينيات من طرف ممثلين كبار، غير أن افتقارهم للإمكانيات ووسائل الدعم وقفت حاجزا أمام بلوغهم ما كانوا يطمحون إليه قبل أن نحمل نحن المشعل من جديد بداية من سنة ,2000 ونجحنا سنة 2006 في تشكيل الفرقة واسترجعنا نشاطها الثقافي، وشاركنا في عدة نشاطات محلية ولائية ودولية كذلك، حيث سجلنا حضورنا في المهرجان الدولي لمسرح الطفل بإليزي ومهرجان الأهفار بتمنراست· ماذا عن موضوع المسرحية التي عالجتم فيها قضية أخذت بُعدا واسعا وسط المجتمع الجزائري؟ موضوع المسرحية استوحيناه من اللجنة الولائية التي أنشئت بإليزي ونظمت العديد من الزيجات الجماعية، وما أثار انتباهنا هو الانعكاسات الإيجابية على شباب المنطقة، ومنه اخترنا هذا الموضوع الذي شرحنا من خلاله معاناة الملايين من الشباب والشابات الجزائريات خاصة الموجودين منهم بالجنوب، حيث لا تزال عادات الأجداد والقدامى تحكم الأعراف المتداولة بالمنطقة، وخلقت عدة حواجز منها غلاء المهور وكثرة الطلبات التي جعلت الكثير من الشباب يقضون نصف حياتهم عزاب· ما لاحظناه في العرض أن دور المرأة فيه لعبه رجال، لماذا؟ بكل بساطة، هذا يعود لقلة الإمكانيات، بل إن صح الأمر إلى انعدامها، فنحن لا نزال فريق هاوي ولا نملك لا مقر ولا ميزانية، بل أصارحكم أن التدريبات نقوم بها في الخلاء وفي كثير من المرات داخل المقاهي، لأننا لا نملك مقرا، وبطبيعة الحال لا يمكن أن تكون امرأة وسطنا في هذه الظروف، وهذا هو السبب في لعب الرجل لدور المرأة في العرض· شيء آخر أثار الانتباه حيث أن النص كان قريبا إلى سيناريو تلفزيوني منه إلى مسرحي يضاف إلى ذلك إدراج أغاني غربية لا علاقة لها بالبيئة الصحراوية التي كانت تدور فيها الأحداث، لماذا؟ لأن معرفتنا تقف عند هذا الحد، فنحن مجرد شباب هواة ولا نملك لا مخرج ولا سينوغراف ولا أي شيء آخر، وبالتالي ما قدمناه هو كل ما عندنا، لكننا نطمح دائما لما هو أحسن على أمل أن تقدم لنا يد العون، وهي الرسالة التي نوجهها للجهات الوصية والسلطات المحلية بإيليزي· أما فيما يتعلق بالموسيقى الغربية، فذلك لأن أخ العروسة في المسرحية أراد أن يقيم عرسا فخما لأخته وجلب لإحيائه فرقة من أوروبا· كلمة أخيرة··· أتوجه بطلب العون إلى الجهات الوصية على قطاع الثقافة في الجزائر على أمل أن تلتفت لنا وتقدم لنا يد العون، لأننا شباب طموح ونريد أن نجعل من إليزي قِبلة ثقافية خاصة وأنها تتوافر على الكثير من المواهب، لكن لا أحد التفت إليهم وقدم لهم يد العون· الكلمة للجمهور بوعنان عبد الباسط (أستاذ): ''مستوى العروض المقدمة كانت متواضعة إلى حد ما مقارنة بتلك التي شاهدناها في الطبعات الماضية سواء من حيث النصوص التي كانت مقتبسة وغاب عنها الإبداع أو من حيث الشكل وتسجيل الحضور من قبل الممثلين على الخشبة، يضاف إلى ذلك اشتراك جميع النصوص في كونها تعالج الاستبداد وعلاقة الحاكم بالرعية، وهو أمر خلق نوعا من التكرار، لكن بالجهة المقابلة أنا أشجع هذه الفرق لأنها لا تزال في بداية الطريق، وأتمنى لها النجاح مستقبلا خاصة وأنه لدى معظمها روح الإبداع والرغبة في التطور وبلوغ الأحسن''· لطرش صلاح الدين (خياط): ''العرض كان جيدا، وقد استمتعت كثيرا وأنا أشاهد الطاقات الشبانية التي نجحت في تأدية أدوارها واستطاعت إيصال الرسالة التي تحملها مختلف الروايات التي اقتبست منها النصوص المسرحية· من جهتي أنا أشجع هؤلاء الشباب الذين جاءوا بأشياء جديدة لاقت استحسانا كبيرا وسط الجمهور العنابي الذي استعاد عهده مع المسرح، وهي مبادرة أتمنى أن تعمم على مدار السنة ولا تقتصر على فترة معينة فقط''· سعاد· ل (أستاذة): ''موضوع المسرحيات التي عرضت اشتركت جميعها في كونها عالجت موضوعا نعيشه في الوقت الراهن، ألا وهو الظلم والاستبداد في ظل تعسف بعض الأنظمة على غرار ما هو حاصل في بعض الدول العربية، وهو شيء جميل يجعل المتفرج يعيد التفكير فيما يحيط به· وما لاحظته كذلك هو أن الممثلين، وبالرغم من أنهم مبتدئين وهواة إلا أنهم أدوا أدوارهم بنجاح، وهي بادرة خير على أن المشعل لن ينطفئ، وهناك من الجيل الصاعد ممن هم قادرون على مواصلة المسيرة وإمتاع الجمهور بعروض استثنائية ومميزة''· بكوش (محامي) ''مواضيع المسرحيات التي تم عرضها لحد الآن جميعها كانت في المستوى، لكن ما أردت أن أشاهده -بالنظر لكون الفرق من الهواة- هو العمل على نصوص محلية تعالج الأوضاع التي تعيشها مجتمعاتنا وبأسلوب يفهمه الجميع، وهذا يبقى مجرد رأي، من جهة أخرى أقول إنني وقفت خال العروض على جيل من الشباب يملكون من المؤهلات الكثير، ويكفي أن يحظوا بالعناية والاهتمام كي يفجروا طاقتهم التي ستعود من دون شك بالفائدة على المسرح الجزائري وسترتقي به إلى الأحسن مستقبلا''· ربيع خروف (صحفي): ''العروض تفاوتت في المستوى، والشيء المميز في المواضيع المعالجة هو أنها عالجت قضايا نعيشها في الوقت الراهن، ويمكن أن نعكسها على ما تعانيه مختلف الشعوب العربية ومجتمعاتها، وما لمسته كذلك هو روح المسؤولية الرغبة في النجاح وبلوغ الأحسن عند الممثلين الذين أظهروا مهارة عالية في تأدية الشخوص والانتقال من حالة إلى أخرى دون تحسيس المتفرج بذلك· من جهة أخرى، أجد أن العروض تفتح للجميع حق التأويل والتخيل، وهو أمر جيد ومن شأنه أن يرغب الجمهور أكثر في العودة إلى المسرح بعد قطيعة استمرت لزمن طويل·