لندن، التي تنهدنا عميقا ونحن نشاهد موكب العرس الملكي يعبرها في أفريل الماضي، في الوقت الذي كانت الفضائيات تعج بأخبار الموت والتفجيرات في العواصم العربية .. لندن اليوم لا تختلف عن أية عاصمة عربية أخرى، هي صورة أخرى من دمشق أو طرابلس أو القاهرة وعدن .. وفي لندن أيضا تسقط الأرواح احتجاجا على سوء توزيع الثروات، وعلى ارتفاع معدلات البطالة والفقر وتقليص الميزانية... نعم، بريطانيا، الدولة العظمى، قزّمتها الأحداث التي بينت أن البريطانيين ليسوا بخير، وهم أيضا يعانون من نظام حكم سيء، حتى لا أقول جائر، لأنه لم يحسن التكفل بمشاكل مواطنيه، تماما مثلما لم يحسن بن علي والقذافي ومبارك وبشار الأسد التكفل بمشاكل مواطنيهم. وها هو ”الفايس بوك” و”التويتر” يفعلان فعلتهما في بلاد الملكة التي لا يظلم في أرضها أحد. وتحول شبكات التواصل الاجتماعي شوارع لندن إلى ساحة للمعارك، وتسقط على أرصفتها الأرواح. المفارقة أن لا أحد وجه تهاما لبريطانيا و”وراها العين الحمرا” إن هي تعاملت بعنف مع المتظاهرين، مثلما وجهوا التهديدات للحكام العرب عند اندلاع أحداث ما بات يعرف بالربيع العربي.. لا أحد هدد مدير الشرطة البريطانية عندما قال إنه سيقضي على المتسببين في الأحداث وسيلقي بهم في السجون. فعندما تنفجر الأحداث في بلدان عربية يكون السبب واضحا وهو الحكام الدكتاتوريون والأنظمة الجائرة (وهم حقا دكتاتوريون)، لكن عندما تنفجر أحداث شغب في لندن أو باريس أو في أية عاصمة أوربية أخرى، فإن السبب هم البلطجية والمغاربة (مثلما حدث ذلك في أحداث الضواحي بباريس سنة 2005). أمس، سقط الضحية الثالثة في الأحداث التي تعرفها بريطانيا منذ السبت الماضي، لكن لا الأممالمتحدة ولا الناتو، ولا القوى العظمى تحركت وحاولت التدخل لصالح سكان الضواحي البريطانية، الذين يعانون هم أيضا ظروف عيش سيئة، تماما مثلما يعانيه سكان حلب أو القاهرة أو أية مدينة عربية أخرى. وطبعا لن يتدخل الناتو، ولن يسوي مباني لندن بالأرض، مثلما فعل في ليبيا، ولن تهدد الملكة في قصرها، لأن الملوك والحكام في الغرب لا يخطئون، وحدها الجاليات العربية والهند وباكستان أخطأت عندما صدقت أن بريطانيا هي حقا بلاد الملكة التي لا يظلم في أرضها أحد. وطبعا ليس مقتل الشاب مارك دوغان هو السبب الحقيقي وراء هذه الأحداث، إنما أسبابها لا تختلف عن أسباب انتحار البوعزيزي في تونس.