لم يعد السهر في ليالي رمضان مقتصرا على الكبار فقط، بل انتقلت العدوى للأطفال الصغار الذين أصبحوا يغزون الشوارع بعد الإفطار بصراخهم وهتافاتهم بعدما اختلطت عليهم الأمور واستبدلوا ليلهم بنهارهم، في مواجهة أخطار الشارع، ليفتحوا أمامنا المجال للتساؤل فيما إذا كان أولياؤهم غائبين وما الذي شغلهم عن فلذات اكبادهم في اوقات متاخرة من الليل تتحول بعد الغروب الكثير من الأحياء الشعبية إلى مسارح لكل أنواع الألعاب التي يمارسها الأطفال الصغار، بعدما وجدوا الحرية التامة بعد الإفطار لفعل ما يريدونه، ما جعل الشوارع تعج بهم إلى غاية ساعات متأخرة من الليل وكأنه ليس لديهم أولياء يساأون عنهم ولا يأبهون لوجودهم، متسببين في الكثير من الإزعاج للمارين في الشوارع وسكان البيوت المجاورة.
إزعاج بالجملة يخترق حتى أسوار البيوت درجة الحرارة المرتفعة في الصباح حرمت الكثير من الصغار من اللعب والتنزه، ودفعت بعضهم إلى تغيير عاداتهم وسلوكاتهم، كالتريث إلى غاية وقت الإفطار من أجل الخروج للعب، وتدارك ما فاتهم من فرص للمرح، هذا ما تخبرنا عنه الشوارع المكتظة بصغار السن بعد الإفطار والتي اصبحت تشبه كثيرا افنية المدارس ورياض الأطفال، حيث يغزو الأطفال الشوارع وتدوي صرخاتهم المكان، وسط استياء الجيران الذين يعجزون عن متابعة التلفزيون أو الخلود إلى النوم أو الاستمتاع بالسهرة مع الأهل والأحباب بسبب الضوضاء التي يحدثها الصغار، حيث أن هذه الظاهرة منتشرة في أغلب الأحياء قديمة كانت أم حديثة، وحتى المدن الجديدة، وفي هذا الإطار أخبرتنا السيدة دليلة القاطنة بطابق أرضي باحد احياء العاصمة بأنها لا تنجح في متابعة مسلسلها المفضل دون غلق كل النوافذ المطلة على الشارع بسبب الصراخ المثير للأعصاب على حد وصفها الذي يصدره الصغار في ألعابهم، هو ما اشتكى منه الكثيرين من يسهرون في بيوتهم المطلة على الشوارع والاحياء الشعبية.
ممارسة ألعاب خطيرة تهدد سلامتهم وفي نفس السياق، استغربت سيدة أخرى من وجود رضع في الشارع ليلا دون أوليائهم، وأضافت قائلة بأن ثمة أمهات يرمون أطفالهم للشارع من أجل متابعة التلفزيون في هدوء دون التفكير في المخاطر التي تتربص صغارهم سواء تعلق الأمر بحوادث السقوط أو الاعتداءات في زمن بات يطبعه العنف واللا أمان على حد تعبيرها، وككل سنة يتأثر الأطفال بأحد أبطال المسلسلات التاريخية ويقلدونه في ألعابهم التي لا يملون تكرارها، حيث يتحولون إلى محاربين تارة، وعصابات تارة أخرى. وتعود ألعاب كثيرة أخرى في شهر رمضان بشكل خاص منها لعبة “الغمايضة” التي يجد فيها الكثيرون متعة أكبر في ممارستها ليلا، لأنه يصعب إيجاد أماكنهم في العتمة، حيث يختبئون وراء السيارات، وفي مداخل العمارات ووراء المارة فالغمايضة تصبح مشوقة أكثر في الليل. فيما يفضل الكثيرون الحفاظ على لعبتهم المفضلة كرة القدم أو قيادة الدراجات الهوائية التي تعرف انتشارا كبيرا وسط انتقاد سائقي السيارات الذين يشتكون عموما من طيش بعض الصغار وسيرهم في الطرقات المخصصة للسيارات وما يسببه ذلك من حوادث، وشل لحركة المرور، كما تغيّرت عادات الأطفال في السنوات الأخيرة.
المسلسل، الضيوف، وصلاة التراويح تلهيهم عن أبنائهم يتحجج من يهملون أبناءهم بالأعباء اليومية التي تمليها عليهم خصوصية الليالي الرمضانية. فالسيدة مديحة على سبيل المثال لا ترى ضيرا في أن تترك ولدها يلعب في الشارع فهو على حد قولها في الحومة يلعب مع أولاد الجيران، فلا داعي للقلق عليه، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك حين أكدت أن ذلك يعلمه المسؤولية والاعتماد على نفسه، مع العلم أن ولدها لا يتجاوز سنه الست سنوات، وفي ذلك الوقت هي تنهمك في متابعة مسلسلاتها المفضلة بعد الإفطار، كما لم يختلف معها السيد كمال الذي يبدأ سهرته بالتراويح ليلتحق بالمقهى من أجل الالتقاء بأصدقائه، كما أنه يترك ولديه يلعبان دون أن يعرف أي لعب يمارسون، فهو يظن أنهم في حاجة إلى مساحة من الحرية تعلمهم المسؤولية والاعتماد على النفس، كما أنه لا يرى أي حرج في ذلك لأنه يضع ثقته في جيرانه والمحيطين به، مدعما موقفه بأنه يستحيل أن يحبس ولديه في البيت ويحرمهما من التمتع واللعب.
سهرات الليل قد تؤثر سلبا على سلوك الأطفال من جهة أخرى فقد أكد مختصون نفسانيون على أن تخلي بعض الآباء عن دورهم، وانشغال الأمهات عن صغارها بمتابعة برامج الفضائيات، تاركين أطفالهم في الشارع رغم ما يتهدده من أخطار، بداية من السهر والخروج في وقت متأخر من الليل ما يكسبهم عادات وسلوكيات سلبية جديدة، كالتأخر الطويل في النوم والسهر إلى غاية ساعة متأخرة من الليل. كما يقومون بتقليد المراهقين والشباب دون أن يجدوا من يوجههم لأن الآباء يكونون عموما منشغلين إما بصلاة التراويح أو أمام التلفاز، ما يمنح الطفل حرية كبيرة وغير مقيدة يمارس فيها ما لا يستطيع فعله في الصباح أو في البيت، وحري بالذكرانه على الآباء محاولة الحفاظ على عادات الإفطار والحفاظ على ساعات نوم أطفالهم واحترامها وعدم تغييرها مهما كانت الظروف أو المناسبة، لتفادي آثار تغير سلوكات النوم بشكل خاص لما ينجم عنها عموما من مضاعفات كزيادة القلق والتوتر عند الصغار بسبب قلة النوم من جهة، وعدم تعود الجسم على التغييرات الكثيرة والمفاجئة، كما أن مسؤولية ما يتعرض له الطفل من أخطار مشتركة بين الوالدين وليس على الأم وحدها، لأن غياب الأب عن البيت للسهر مع الأصحاب بالمقاهي طوال الليل يشجع الأطفال على انتهاز الفرصة والتجول مع الأصدقاء بين الأحياء القريبة من مسكنهم واكتشاف عالم آخر قد يروقهم كالنشاطات التجارية والباعة الأطفال، وهو ما قد يؤدي إلى انزلاقهم وانفلاتهم من الرقابة الأبوية فيما بعد، فضلا عن مخاطر الاعتداءات التي زاد انتشارها في السنوات الأخيرة.