قالت مراسلة تلفزيون "فرانس 3" بطرابلس إنها لم تفهم شيئا مما يحدث في ليبيا، ورغم أن الثوار - قالت - أعلنوا أنهم يسيطرون على طرابلس، إلا أنهم لم يتمكنوا من التقاط السلطة - حسب عبارتها- وإن القذافي مازال يقاوم ويطلق الصواريخ، ومازالت الموت سيد الموقف في قلب طرابلس... فماذا يحدث في ليبيا تحديدا هذه الأيام؟ لأن موجة الكذب والحرب الإعلامية التي يقوم بها الناتو في ليبيا تذكرنا بالحرب الإعلامية التي قادتها أمريكا في العراق، وإن كان الناتو أو الثوار أسقطوا حقا طرابلس وبدأوا ينقلون سلطاتهم إليها، فلماذا يواصل الناتو القصف إذن؟! ولماذا يصرح الناتو ووزير خارجية ساركوزي أن العملية مازالت متواصلة؟! أليس هذا نفس السيناريو الذي طبقته أمريكا في العراق، ومازالت تبرر وجودها وحربها التي تقودها في العراق سنوات بعد سقوط صدام وسنوات بعد إعدامه؟ ونفس التضليل يمارسه الإعلام المرافق للناتو من إعلام غربي وعربي على ما يقترفه خلفة نظام القذافي من جرائم في حق الليبيين لا تقل بشاعة عن تلك التي مارسها القذافي في حق شعبه. أهذه هي قيم الديمقراطية وحقوق الإنسان التي هرول ساركوزي للدفاع عنها، وفي الحقيقة هو كان يسابق أمريكا حتى لا تضع يدها على ثروات الشعب الليبي، ويضمن مصالح بلده التي كان مستبعدا منها زمن القذافي. نقولها للمرة الألف، إن ما يجري في ليبيا خطير ولا يبشر بخير، والشعب الليبي الشقيق خرج من حكم ديكتاتور دموي، إلى نظام قد لا يقل دموية عن نظام القذافي، وما يجري على الأرض في ليبيا من تصفيات لأنصار القذافي دون محاكمات، ومن قتل لأسرى مكبلي الأيدي والأرجل مريع... وطبعا لن يتكلم الإعلام الفرنسي، الذي يدافع عن مصالح بلده، عن هذه التجاوزات الخطيرة، لأنه لا يهمه مصير الشعب الليبي سواء كان في صفوف المعارضة أو في صفوف القذافي، ما يهمه هو استمرار الفوضى ليبرر تواجده، حتى يتسنى لفرنسا أن تعيد، بكيفيتها، ترتيب خريطة العالم الجديدة في شمال إفريقيا بدلا من أمريكا، التي لوحت من سنوات بمشروعها للشرق الأوسط الجديد وشمال إفريقيا. إن الوضع خطير في ليبيا وفي المنطقة ككل، والمصيبة أننا هنا في الجزائر نصفق للدمار الذي يترصد بنا، وهناك من يبتهج مع كل طلعة وكل قصف تطلقه فرنسا وقوات الناتو على ليبيا، وكأن هذه القوات تحركت لتحرير الإنسان العربي حقا من أنظمة فاسدة!! نعم، الأنظمة العربية كلها يجب أن تتنحى وتترك السبيل للشعوب لتقرير مصيرها وبناء مستقبلها، لكن ليس على يد أمريكا ولا فرنسا التي كانت طوال تاريخ المنطقة وراء الاستعمار بنوعيه القديم والحديث، ووراء تقوية ساعد الحكام من أجل المصالح، ومن أجل هذه المصالح دائما تتحرك فرنسا اليوم في ليبيا، ولا يهمها ما يمارسه بشار الأسد في حق شعبه من مجازر، لأنه ليس في سوريا نفط متدفع، ولا جزائر على الحدود للتخطيط لإثارة الفوضى بها..