عبر نظرة شاملة على مختلف مراحل الثورة منذ انطلاقتها الأولى في سورية، وصولا إلى المنحى الذي هي بصدد اتخاذه حاليا، يمكن اعتبار أن جملة من الأخطار الداخلية والخارجية باتت تهدد مسارها وتحتم وضع العلاج المناسب وبالسرعة القصوى لها، تداركا لتناميها ودرءا لاحتمال تفاقمها. من هنا قد يكون مطلوبا اليوم تداع لكل القوى الفاعلة على الصعيدين الداخلي والخارجي والتي من المفترض أن تكون مؤلفة من خيرة عناصر الشعب، أي من ذوي الخبرة والكفاءة وسعة الاتصال، بهدف إنشاء شبكة فاعلة للتعاون الصادق والشفاف والمتجرد عن الشخصانية، في سبيل مد يد العون للشعب السوري في سعيه الدؤوب الى التحرر من نير الديكتاتورية ولتحقيق النظام الديمقراطي الصحيح. لذا، وقبل المباشرة بوضع استراتيجية مستقبلية تخدم تحقيق هذه الأهداف، علينا الانكباب أولا على دراسة معمقة وعلمية لعنصرين أساسيين يتعلقان بالوضع القائم وهما: 1- أين كانت تتركز مقومات القوة السياسية الفعلية للنظام، وما هو مصير هذه القوى اليوم، ستة أشهر بعد بدء الثورة؟ -2 كيف يمكن توصيف قوة القاعدة الشعبية السياسية قبل الثورة، وأين أصبح اليوم منسوب هذه القوة بعد ستة أشهر من اندلاع الثورة؟ بشأن النقطة الأولى يمكن القول إن النظام السوري قبل الثورة كان يمسك بمجموعة من الأوراق الإقليمية التي كان يستعملها كأوراق قوة في مجال عمليات المساومة مع دول الإقليم ومع المجتمع الدولي، يشهرها كل فترة ويرفعها مهددا، كلما شعر بتهديد قد يطاول مسيرة استمراره وبقائه. من هذه الأوراق يمكن تعداد علاقاته المميزة مع روسيا وتلك التي كان قد وطدها في الفترة التي سبقت اندلاع الثورة مع أنقرة ومع حزب العدالة والتنمية تحديدا، ناهيك عن التعاون الاستراتيجي مع إيران ضمن حلف ”الممانعة والذي كان ومازال حتى الساعة يشكل أهم عنصر من عناصر قوة النظام. وإن ننسى لن ننسى رعايته الأبوية لليد الطويلة القمعية المتمثلة بأدوات ”حزب الله” وأجهزته العسكرية والتي كان يستعين بها عند الضرورة ويوظفها كلما احتاج إلى ”بعبع” تخويفي. وقد لا يكون من باب المبالغة اعتبار التعاون الضمني وغير المعلن مع الجانب الإسرائيلي على إبقاء الحدود السورية وجبهة الجولان المحتل خارج نطاق أي نشاط عسكري، من أهم المعطيات التي كانت تمد النظام السوري بموقف الفوقية والارتياح حيال الولاياتالمتحدة والمجتمع الدولي وتمكنه أيضا من البطش على الصعيد الداخلي من دون أي خوف من تدخل أو مراجعة خارجية تنتقده أو تقاضيه على تماديه في خرق كل ما شرعه العالم الحر حول ما يسمى بحقوق الإنسان. وارتكازا على عناصر القوة هذه ذهب النظام السوري على مدى أربعة عقود في تسويق وتثبيت دوره كأهم لاعب على الصعيد الإقليمي. أما اليوم وبعد اندلاع هذه الثورة الشريفة المباركة، بدأت تطرح الأسئلة حول مصير هذه الأوراق وحول عناصر القوة هذه. فهل يصح القول بأن النظام فقدها بالكامل؟ أو تراه فقدها جزئيا؟ وفي حال كان قد فقد جزءاً منها فلمصلحة من ومن هي الجهة التي هي بصدد الإفادة منها؟ تلك جملة من التساؤلات التي سوف تنقلنا الى النظر في النقطة الثانية. فالتساؤل حول ما آلت إليه الثورة الشعبية في سورية بعد ستة أشهر من انطلاقها وعبر مقاربة أولية لهذه النقطة يمكن تفنيد الاعتبارات التالية: أولا، الثورة السورية لا تمثل شريحة معينة من الشعب السوري بل هي تمثل غالبية هذا الشعب وتشمل كل مكوناته. أي بتعبير آخر يمكن القول: الشعب السوري كله هو الثورة. وعلى هذا الأساس يمكن القول بأن هذا التماسك والذي جعل من الثورة جسما واحدا متراصا، شكل نوعا من الجذب لمختلف اللاعبين الإقليميين الذين بتنا نراهم اليوم يتهافتون ويتدافعون لوضع أوراقهم في التداول داخل الساحة السورية، لعلهم يكسبون عبر بعض التقديمات أو المغريات، الأفضلية في التقرب من بعض قياديي الثورة، مراهنين على معادلة التأثير على مسار الثورة اليوم بهدف الاستثمار غدا بعد سقوط النظام. يبقى أن الأمل، بل كل الآمال، تتمحور اليوم حول ضرورة استشعار القائمين على هذه التحركات الشعبية، كما على كل شرائح المجتمع المعنية بهذه الثورة، أهمية وقوة هذه الأوراق التي باتوا ممسكين بها، وحول ضرورة التمتع بعنصري الوعي والنزاهة للتعامل معها لإيصال الثورة السورية إلى بر الأمان. من هنا ومن واقع انتقال عناصر القوة إلى اليد الشعبية بواسطة الثورة، ومن تنامي تهافت القوى الإقليمية على المراهنة على قياديي الثورة في عملية تناتش موصوفة، يمكن القول بأن انهيار النظام هو أمر حتمي، وليس فقط لأن مختلف المراجع العربية والدولية أكدت على هذا الانهيار علنا وبواسطة مختلف وسائل الإعلام العربية والدولية. ولكن وبغض النظر عن حتمية هذا السقوط، وفي النظر في المرحلة القائمة حصرا لابد من التنبه إلى جملة الأخطار التي أشرنا إليها سابقا؛ حيث ثمة من يرى أن هذه القوى الإقليمية الفاعلة قد تتدخل بشكل سلبي لإطالة عمر النظام بهدف كسب الوقت الإضافي للتمكن من تحسين تموضعها الاستراتيجي حيال التغييرات المقبلة. لذا، وبهدف الاستفادة القصوى من العناصر الجديدة التي باتت بيد الثورة ومنعا لإهدار مفعولها وقدرتها على التغيير واستبعادا لتدخل إقليمي يهدف بطريقة ما إلى شلها أو تجميدها، تأتي ضرورة المباشرة بإنشاء تكتل فاعل متمرس لمواجهة هذه التحديات. في الحقيقة لابد من الاعتراف بأن الثورة في الداخل باتت مدركة لهذه الأخطار وهي بصدد تصحيح هذا الانحراف عبر ما سمته: التحرك تحت عنوان ”تضامن قوى المعارضة”. وعلى هذا الأساس وتفاديا للعودة للوقوع في المطبات نفسها لابد لنا إذن وفي المستقبل المنظور من التخلص من هذه التكوينات الضعيفة أو ”المجموعات المسرحية” والتركيز على القوى الشفافة والمتجردة لتقديمها لمواقع القيادة الانتقالية. رئيس جمعية المغتربين السوريين لأجل الديمقراطية رئيس غرفة التجارة الأميركية- العربية