حتى وإن ظهرت زيارة الرئيس المالي للجزائر، أمادو توماني توري، التي تستغرق أربعة أيام، في قالب تعاون اقتصادي جسدته صفقة شركات عربات نفعية وتعاون في قطاع الصحة وتكوين الموارد البشرية، إلا أنها تكتسي أهمية أمنية خاصة، لأنها تتزامن مع خطف ثلاثة رهائن أوربيين من طرف تنظيم القاعدة في بلاد المغرب، ما يعيد طرح فرضية وساطة باماكو لدفع الفدية للإرهابيين، على غرار ما حدث مع الرهينة الفرنسي بيار كمات، فضلا عن إجابات واستفسارات تريد الجزائر سماعها حول فتح مالي لشمالها لنشاط تنظيم القاعدة، بعد انتعاش هذه الأخيرة بشريا ولوجستيكيا، على خلفية ما حصدته من أسلحة ومجندين خلال الحرب بليبيا. وجاءت تغطية وكالة الأنباء الجزائرية لزيارة الرئيس المالي والوفد المرافق له فقيرة بالمعلومات فيما يخص التحاور حول المسائل الأمنية و ما يقع بالساحل، حيث اقتصرت على تعداد الاستقبالات التي حظي بها الرئيس المالي من طرف مسؤولين كبار في الدولة، حول الخوض في حيثيات المحادثات، إلا أن كون الزيارة جاءت بدعوة من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، تظهر بجلاء قلق الجزائر مما يقع في الساحل وحاجتها إلى معرفة دقيقة لمواقف أهم حاضنة للجماعات الإرهابية، مالي. كما تكشف صفقة شراء باماكو لعشرين شاحنة نفعية من الشركة الوطنية للعربات الصناعية بالرويبة مقابل كشف الرئيس المالي، خلال تفقده للمصنع، أول أمس، تقديم طلبية أخرى لشراء عربات متعددة الأغراض، منها عربات عسكرية في المستقبل، فتح الجزائر باب التعاون الاقتصادي والمساعدات لكسب باماكو ومحاولة إقناعها بمواقف الجزائر فيما يتصل بمعالجة القضايا الأمنية، خاصة وأن الأسعار التي سوقت بها العربات الصناعية بالنظر لجودتها حملت بماكو على عزمها على تقديم طلبية أخرى تشمل العربات العسكرية مثلما جاء على لسان الرئيس المالي وهو يتفقد في أول يوم من زيارته الشركة الوطنية للعربات الصناعية. وقد استقبل الرئيس المالي، أمادو توماني توري، في اليوم الثاني من الزيارة من طرف الوزير الأول أحمد أويحيى، ثم من رئيس المجلس الشعبي الوطني، عبد العزيز زياري، فضلا عن محادثات مع رئيس الجمهورية، عبد العزيز بوتفليقة، دون أن تكشف وكالة الأنباء عن تفاصيل المحادثات التي جمعت أمادو توماني توري بالمسؤولين الجزائريين. كما امتد التعاون الجزائري المالي إلى مجال الصحة، حيث أجرت وزيرة الصحة المالية، ديال مادلين، محادثات مع نظيرها جمال ولد عباس، تمحورت في مجملها حول فريق طبي مالي وتعاون في مجال الأوبئة والوقاية والتلقيح وإجراءات النظافة والتطهير. ولم يقتصر التعاون الجزائري المالي على مجال التكوين وإنما وصل حد طلب مساعدة مثلما ورد على لسان وزيرة المالية من أجل تعزيز مراكز تصفية الدم بتجهيزات متنقلة وثابتة، علما أن الجزائر سبق وأن أبرمت عقود تعاون مع مالي في هذا المجال، وقدمت مساعدات صحية لها من خلال برنامج انطلق في شهر جويلية الماضي، فضلا عن مساعدات أخرى أرسلت لبامكو خلال الأشهر الماضية. وترمي الزيارة التي ستدوم أربعة أيام كاملة، على تقريب وجهات النظر بين البلدين وسعي الجزائر للحصول على استفسارات حول الاستراتيجية التي ستتبعها مالي للتكفل وصد الخطر الإرهابي بعد الانتعاش الكبير الذي عرفه ذراع القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي بعد تزودها بأسلحة متطورة هربت من ليبيا فضلا عن تجنيدها للفارين من ساحة الحرب من الافارقة ومرتزقة قاتلوا في صفوف العقيد معمر القذافي، وهو الوضع الذي تتنصل منه باماكو مرددة أن الرؤوس المدبرة للقاعدة في بلاد المغرب الإسلامي ليست مالية الأصل وإنما جزائرية المنشأ وفي مقدمتهم أبو زيد. فضلا عن هذا ستغتنم الجزائر زيارة الرئيس المالي لإعادة طرح تمسكها برفضها دفع الفدية للجماعات الخاطفة، خاصة وأن الجزائر تدرك أن مالي تلعب في غالب الأحيان دور الوساطة للظفر بجزء من الفدية التي تذهب للجماعات الإرهابية، على غرار وساطتها خلال تحرير الرهينة الفرنسي بيار كمات. والمؤكد أن الزيارة التي يؤديها الرئيس المالي للجزائر ستقرب وجهات النظر بين البلدين وستضع باماكو أمام الرؤية الجزائرية تجاه سياسة مكافحة الإرهاب في الساحل وكيفية التعامل مع الجماعات الخاطفة.