في 12 جوان 1990 فازت جبهة الإنقاذ المحلة بمعظم بلديات الوطن ومنها ولاية الجزائر.. وبعد أسبوعين من تنصيب رئيس إحدى البلديات في متيجة التي فاز بها الفيس وجدتني صدفة رفقة صديق يقطن في هذه البلدية نجلس في قاعة الانتظار بالبلدية لمقابلة رئيس البلدية! وفجأة سمعت امرأة تصيح بأعلى صوتها موجهة كلامها إلى رئيس البلدية قائلة له: "يالحية المكنسة! يا وجه النافسة.. ويا شلاغم الحائضة! أنا انتخبت عليك لتنصفني من ظلم المير السابق فإذا بك تقطع خبزة أولادي اليتامى! ثم انصرفت! تركت صديقي يقابل المير في مكتبه وجريت وراء المرأة لأعرف منها حكايتها مع هذا المير المسكين الذي وصفته بأوصاف غاية في البذاءة! كانت امرأة في الستينات من عمرها.. ملامحها تقول إنها تشبه المرأة التي قابلها معروف الرصافي وقال فيها قصيدته المشهورة: لقيتها ياليتني ما كنت ألقاها.. تمشي وقد أثقل الإملاق ممشاها أثوابها رثة والرجل حافة.. والدمع يذرف من خد عيناها... قلت لها ماذا فعل لك هذا المير يا أمي وقدمت لها نفسي فأجهشت بالبكاء وقالت: أنا عاملة نظافة مدرسة البلدية منذ 20 سنة وأعيل ستة أبناء يتامى توفي والدهم وتركهم في رقبتي كالقطط.. كان المير السابق الأفالاني يجبرني على تنظيف بيته أيضا إلى جانب تنظيف المدرسة.. وإذا رفضت هددني بالطرد من العمل في المدرسة.. وعندما جاءت الانتخابات البلدية الأخيرة انتقمت من المير الظالم السابق بالتصويت لصالح هذا المير الذي قيل لنا إنه يخاف ربي! ولكن بعد أسبوعين من تنصيبه طردني من العمل في المدرسة وعوضني بإحدى قريباته.. من أين لي بما أعيل به أبنائي؟! ظلت صورة هذه المرأة عالقة في مخيلتي طوال 22 سنة كاملة. تذكرت هذه الحادثة عندما علمت بأن جهة رسمية تبحث عن أسماء نسائية لها قيمة اجتماعية لإدراجهن في القوائم الانتخابية للأحزاب والهيئات تنفيذا لحكاية كوطة المرأة في المؤسسات! وتساءلت لماذا لا يبحث هؤلاء عن نساء من هذا النوع.. النساء الحرات المربيات لليتامى بالعمل الشريف حتى ولو كن عاملات نظافة! لكن الأحزاب والمنظمات عندنا لا تبحث عن النساء الفحلات من صنف هذه التي أنطقها الحق بما يعتبر كلاما بذيئا في العرف العام لإدراجهن في قوائم الترشح للبرلمان والبلديات والولايات.. بل يبحثون عن اللامعات سياسيا وإعلاميا للمساهمة في تزييف أيضا في صورة الفساد الكبير بالفساد الصغير! أنا شخصيا لا أتردد في وضع اسمي في آخر قائمة لأي حزب يرشح نساء بمثل فحولة وفصاحة هذه الفحلة من فحلات متيجة شريطة أن لا يكون في القائمة اسم وزير أو مدير أو مليونير! النساء الفحلات موجودات.. لكن المفقود هو الرجل الفحل الذي يشتم رائحة الفحولة فيهن كما يشم العتروس فحولة العنزات! واعتذر للقراء عن ذكري بعض العبارات الصادمة.. لأنني أعتبر أن هذه العبارات هي أصدق ما يمكن أن يعبر عن الواقع!