المشاكل التي تعاني منها المرأة في المجتمع العربي كبيرة جدا ومتشابهة، وأخطرها مشكلة التربية والتوجيه والتمييز داخل الأسرة الذي تتلقاه الفتاة منذ طفولتها، والذي يتطور إلى تمييز مجتمعي يكرس في الممارسات والعادات والأفكار لدرجة يصعب التخلص منها، وكثيرا ما ألصقت بالدين والمرجعيات العقائدية لتصبح عند المجتمع من المسلمات ولتصبح عندها من القناعات التي ستعمل بدورها على تكريسها لأطفالها دون أن تشعر. ومن هذه المسلمات، عدم الانتماء إلى الجمعيات النسائية.. ومن تجربتي المعيشة، وجدت أن النساء لا يغريهن التوجه، في غالبيتهن، إلى الجمعيات النسائية، رغم أن كثيرا من هذه الجمعيات تعمل بجد وتتصف بمصداقية معترف بها، ولها برنامجها المحترم ونشاطها الفعلي ميدانيا رغم قلة إمكاناتها المالية، فهي ليست مدعمة من الدولة كما قد يعتقد، مع ملاحظة أن التغيير والريادة في كل العالم إنما تتقدم به الأقلية الطلائعية المتنورة المتمثلة في المجتمع المدني وليس العكس.. لكن عندنا كثيرا ما يقرن توجه النساء للجمعيات بغلق الأبواب في وجوههن، أو عندما يتعرضن إلى التعنيف والطرد التعسفي.. أما من يؤمن بالنضال الفعلي فهن قليلات بالنسبة إلى قوة نشاطهن في المجتمع.. وبما أنهن إما عاملات أو طالبات أو ربات بيوت فإنه بالضرورة لا يمكنهن توفير الوقت الكافي للنضال، دون أن ننسى بأن هناك نساء ممنوعات من النشاط بحكم التركيبة الاجتماعية التي ذكرتها أو بحكم العقدة الذكورية المسيطرة على المجتمع في تربية البنت وفي التحكم في الزوجة. ويبقى المردود الضعيف الذي وصلت إليه المرأة العربية بصفة عامة، الذي لا يحدده عدد الجمعيات التي هي أصلا غير كافية سواء بالنسبة لعدد النساء أو عندما تقارن بمعاناتهن اللا محدودة، وإنما يعود للفقر الفكري والمادي الناتج عن فشل سياسات التنمية في المنطقة العربية، وتفشي الجهل حول مشاركة المرأة في تنمية المجتمع، وسيطرة التعفن السياسي، والخطاب الديني المتخلف والمتطرف الذي يعمل على جعل المرأة إنسانا من الدرجة الثانية يخلق ويعيش من أجل عملية الإنجاب اللا محدودة والطاعة العمياء للرجل، وأيضا تعود لسياسة الإبقاء على الكيان المهدور المستسلم للمرأة، ذلك الكيان الذي لا يبذل جهدا في تطوير نفسه وفكره ولا في تنوير عقله بالبحث والاجتهاد، ولا في العمل على تحرير كيانه من العفن الذاتي والعفن الاجتماعي والراديكالية الذكورية. . فرغم صمود المرأة أمام كل التهديدات بالموت التي تلقيناها في الجزائر مثلا من المتطرفين الإسلامويين، وفقداننا للعديد من المناضلات، وقبلهم معاناتنا من الكبت الإجتماعي والسياسي المقنن، وانتصارنا بالتضحيات الجسيمة للديمقراطية، نجدها اليوم تتناغم مع الطرح الذي يميز ضدها من جديد بل وتصفق له في المؤتمرات الحزبية التي تؤمن بترؤسها للقوائم الانتخابية. وفي المغرب تطلع علينا وزيرة واحدة في ظل الأغلبية الإسلامية الحاكمة، بعد أن كن سبع وزيرات، وبالذات تلك المناضلة التي نشطت في المغرب ضد تعديل مدونة الأحوال الشخصية. وبعد أن كانت المرأة العراقية تمثل طليعة العلم والتكنولوجيا في العراق هاهي وزيرة المالكي تصدر أمرا بتوحيد لباس الموظفات وتحديد نوعيته بعد عجز المتشددين من إلغاء كوطة المنتخبات التي نص عليها الدستور العراقي المسن تحت قوة الاحتلال الأمريكي. وإذا كان سوء التسيير في نظام الحكم العربي، وتردي مشاريع التنمية القومية والشمولية لسنوات طويلة قد عمق الهوة بين الحاكم والمحكوم وخلق أزمات سياسية زادت من تعميق السلبيات، فإن بؤر الفساد والمحسوبية قد عرقلت صعود الحوكمة ووجهت الانفتاح السياسي إلى ثورات في الشكل وتراجعات في العمق تقوم على تردي الأوضاع الاجتماعية وتعمل على إفراز عنف سيسرع لا محالة بالمشروع الإسلاموي العاجز بدوره عن تقديم حلول اقتصادية وسياسية نهضوية فاعلة، والتي سيكون وقودها، دون شك، المرأة وحرية المرأة.