عنابة وجوه نكرة، أصحاب ملاه ليلية وتجار شنطة في قوائم الأحزاب مواطنون لا يثقون في الأحزاب ويحنّون لدور الدولة المركزية بعد أسبوع عن انطلاق الحملة الانتخابية للتشريعيات، واجتهاد مختلف الأحزاب على تقديم مرشحين لها للبرلمان، تبدو الساحة في عنابة، رغم غليان بعض مقرات الأحزاب، غير مبالية بما يجري، فأغلب رؤساء الأحزاب الذين مروا من عنابة لتنشيط تجمعات شعبية لم يحظوا سوى بعدد قليل من الفضوليين، في قاعات ظلت شبه خاوية، فيما فضل المواطنون في غالبيتهم الاهتمام بشؤونهم اليومية. وفي محاولة منها لجس مدى اهتمام المواطنين بالحملة الانتخابية الجارية، اقتربت "الفجر" من بعض المواطنين، بأحد أهم مقاهي ساحة الثورة، لاستفسارهم عن شعور اللامبالاة السائد، فكان رد اغلبهم بأن هؤلاء المترشحين لن يغيروا في الأمر شيئا، طالما أن أحزابهم لا تعبر في أغلبها عن الانشغالات الحقيقية للمواطنين، من استمرار بيروقراطية الإدارة القاتلة، المحسوبية في التعامل مع كل ما يخص قضايا التشغيل للشباب، سوء المعيشة وضعف القدرة الشرائية للجزائريين البسطاء. كل هذه المسائل العالقة لم تلق لحد الآن، حسب تعبيرهم، أية حلول ملموسة من الذين سبق وأن مروا على البرلمان، من النواب السابقين للأحزاب التي فازت في التشريعيات الماضية، والذين اختفوا تماما منذ خمس سنوات ولم نسمع عنهم شيئا. وخص المواطنون بالذكر نواب حزب الأرندي وحزب العمال والأفالان، الذين لم يروهم منذ خمس سنوات، رغم ماشهدته ولاية عنابة من اضطرابات واحتجاجات على الشغل والسكن، وموجات الحراڤة من الشبان الذين ماتوا وفقدوا في البحر، كل هذه المآسي لم تحرك لدى الأرندي ولا الأفالان وغيرهما أي شعور بالمسؤولية تجاه ناخبيهم. كما استشهد أحد الشبان وهو موظف بشركة عمومية بتسيير البلديات خلال عهدات أحزاب الأرندي والأفالان وحركة الإصلاح، الذين فازوا في الانتخابات البلدية السابقة والذين حولوا بمجرد استيلاءهم على السلطة في البلديات الأملاك العمومية إلى ملكيات خاصة، عاثوا فيها فسادا ووزعوا ماشاءوا من أراض ومساكن على أقربائهم ومعارفهم، وسدوا الأبواب في وجه المواطنين، لغاية القبض عليهم والزج بهم من طرف مصالح الأمن في السجن، الذي لا يزالون يقبعون فيه لحد اليوم، فيما لم يكلف أي حزب من الأحزاب التي ينتمون إليها نفسه عناء الاعتذار للمواطنين، الذين خدعوا ومنحوا أصواتهم لمن تحولوا إلى طغاة صغار بالبلديات والمجالس الولائية. غياب الثقة في الأحزاب وخطابها ومرشحيها، كانت السمة الغالبة على تعليقات المواطنين حول مدى دور الأحزاب السياسية في تغيير الواقع المعيشي بولاية غنية وهامة مثل عنابة. وعن الوجوه المتقدمة للترشح للانتخابات البرلمانية المقبلة، أجمع المواطنون على أنها كلها نكرة ومغمورة وخطاب أحزابها أجوف وخال من أي أفكار أو برامج حقيقية، والمصيبة الكبرى، حسب تأكيدهم، تكمن أيضا في بروز شرذمة جديدة من الانتهازيين والجهلة، من مرشحي بعض الأحزاب، الذين لا يترددون في تعليق صورهم على جدران المدينة، خاصة وأن بينهم مجرمون سابقون وأصحاب ملاه وعلب ليلية وتجار شنطة، كلهم يجهرون، في وقاحة تستفز المواطنين، عن رغبتهم في الصعود إلى العاصمة للجلوس تحت قبة البرلمان. وفيما غلب اليأس على شعور فئة الشباب تجاه الأحزاب السياسية القديمة منها والجديدة، فضل الكهول الحديث بحنين وشغف عن أيام الحزب الواحد، التي عاشوها خلال الثمانينيات والسبعينات، حيث كانت هيبة الدولة وسلطتها حاضرة، حسب تصريحاتهم، وكان الولاة والأميار، من جيل الأفالان السابق، الحزب الحاكم، يسيرون البلديات بكفاءة وخشية من رقابة وسلطة الدولة، حينها كان المواطنون يعرفون مع من هم يتكلمون ولمن يشتكون، أما اليوم فيجمع أغلبهم على أن لا أمل في إصلاح أوضاع البلاد بمثل الطبقة السياسية الحالية، التي لا تملك لا كفاءات بشرية ولا مناضلين يتحلون بأدنى حس مدني ووطني، فكيف ستوكل لهم الدولة مسؤولية تسيير الشؤون الحيوية للبلاد والمواطنين.. يتساءل الجميع في حسرة على أيام الماضي التي ولت.