خلف الإعلان عن قوائم مرشحي الأحزاب للانتخابات التشريعية، موجة استياء كبير في أوساط مناضلي الأحزاب ممن رغبوا في العضوية بالمجلس الشعبي الوطني بدرجة أكبر، وممن تعاطفوا مع هذا الشخص أو ذاك، رأوه أهلا للترشح بدرجة أقل. وترى قيادات الأحزاب التي تواجه الغضب، أن اختيارها تم لأسباب موضوعية، بينما ردات الفعل كانت ذاتية حسبهم. وفي الطرف الآخر، يرى مناضلو الأحزاب أن شعار ''التشبيب'' و''التغيير'' الذي رفعته القيادات الحزبية، نسخة طبق الأصل من وعود ''الإصلاحات الجذرية والعميقة'' التي أطلقتها السلطة، عندما كانت عاصفة التغيير التي هبت على الجيران على وشك الوصول إلى الجزائر، ثم سرعان ما تبيّن أنها حركة لربح الوقت. احتجاجات عارمة وغضب يعكس رفض استمرار الوضع القائم قوائم الترشيح تعصف ب''حلم'' التغيير لم تحدث مرحلة ما قبل موعد العاشر ماي الاستثناء، مقارنة بالاستحقاقات السابقة، فيما يتصل بالغضب العارم لمناضلي الأحزاب حيال قوائم ترشيح، يقال بشأنها الكثير. فبغض النظر عن ''مشروعية'' احتجاجات مناضلي الأحزاب السياسية إزاء من اختارتهم قياداتها لتمثيل المواطنين في البرلمان المقبل أو عدم مشروعيتها، فإن تركيبات قوائم الترشيح، أو أكثرها، يطرح استفهامات عدة، قد تميل الكفة وبدرجة قصوى إلى ''أحقية الاحتجاج'' على كون ما تسميه الأحزاب ب''غضب طبيعي يحدث في أي استحقاق تشريعي أو محلي''، لسبب واحد، يكمن في أن الانتخابات التشريعية المقبلة تختلف تماما عن سابقاتها، على الأقل من حيث خطاب سياسي، وظرف محلي وإقليمي سائد، يفرض على الأحزاب تحمّل مسؤولياتها كاملة في اختيار أسماء جديرة بمراتب أولى في قوائم الترشيح، تناغما مع متطلبات التغيير البعيد عن العنف. ولم يتطلب اكتشاف تلك الهوة، بين ما كان منتظرا، سواء من المناضلين أو حتى المواطنين غير المهيكلين حزبيا، وبين من اختارت قيادات أحزاب وضعه على رأس القوائم، وفي ثناياها، علما واسعا أو ضلوعا في السياسة، بمجرد تأمل بسيط في تركيبات القوائم، سواء تعلق الأمر بحزب جبهة التحرير الوطني الذي ما إن بدأت تتسرّب أولى الأسماء المترشحة في الصدارة، حتى ثارت ثائرة المناضلين في بعض الولايات، بينما سخر حتى من كان ضمن القائمة، من وجوه ترافقه فيها، وذهب البعض إلى أبعد من ذلك، لما اكتشف ''فرسان معطوبة'' للأفالان، موجها الدعوة ل''صلاة الجنازة'' على الحزب. بينما لم يختلف الوضع بالنسبة للتجمع الوطني الديمقراطي الذي يجمع الملاحظين بشأنه أنه ''رسب'' في اختيار الأجدر ضمن عديد القوائم في الولايات، وكانت البداية بتنديد غير مسبوق للأمينة العامة لاتحاد النساء، نورية حفصي، بخيارات قيادة الأرندي، وذهبت بعيدا في انتقادها لشخص أمينه العام أحمد أويحيى. ووجد المئات من الشباب ممن أودعوا ملفات ترشيحهم أنفسهم خارج لعبة سياسية، بدا أن فاعليها يصرّون على استمرار وضع قائم لا يقبل التغيير بمتغير شباب ونساء لم يكونوا سوى طعم استقطاب، أو ''زينة'' لتلميع القوائم المقدمة''. وطال الغضب أحزابا أخرى، قديمة وجديدة، ديمقراطية وإسلامية، استنكر مناضلوها اعتماد مقاييس غير منطقية في الترشيح، بشكل استغرب له الكثير، وحتى المراقبين من خارج الأحزاب، وتحوّلت ساحة الانتخابات إلى ''هزل وسخرية'' تجاه بعضهم البعض في الولايات، على خلفية ترشيح ما وصف لدى الكثير من المناضلين ب''الرداءة وأصحاب الشكارة وذوي الأحكام القضائية التي تصل إلى السجن''. فيما عرضت أغلبها أسماء ''هزيلة '' أحزاب تسعى لتحويل البرلمان إلى تجمعات عائلية عكست التركيبة البشرية لقوائم الترشيحات، لدى الأحزاب المهيمنة على الأغلبية حاليا، واقعا سياسيا ''مرتبكا''، يعتقد المراقبون أنه موصول مع ما حصل في الدول العربية من اضطرابات. الظاهر يحيل كما لو أن الأحزاب، الأكثر تمثيلا في المشهد السياسي، اتفقت على مبدأ معيّن يستجمع أسبابا، في منتهاها يتحقق هدف معيّن، على أن يتجسد في تركيبة البرلمان القادم. وتتوضح هذه الأسباب فيما عرضته أمام الشعب من فرسان يتودّدون رضا الناخبين، والأمر، مقصودا كان أو غير مقصود، يتصل مباشرة برغبة في قلب موازين القوى داخل المجلس الشعبي الوطني، بما لا يتعارض مع مبدأ التغيير الذي فرضه محيط إقليمي وعربي (تونس، المغرب ومصر)، أفرز وصول تيار معيّن إلى الحكم، بما لا يجعل الجزائر استثناء، حتى إن لن يزد عمر البرلمان القادم الذي أوكلت له مهمة تعديل الدستور عن عامين، وفقا لاجتهادات البعض. والمتأمل في مرشحي الأحزاب المنعوتة بالكبيرة وأحزاب أخرى مرشحة في الأذهان لحصد عدد ''محترم'' من المقاعد الزرقاء، حتى إن كانت حديثة الميلاد، ينتابه شعور وكأن الانتخابات بكل حيثياتها ''لعبة سياسية''، رتب لأن تنتهي لغير صالح الأحزاب المهيمنة حاليا، سواء تواطأت قياداتها في هذه اللعبة، أو أن مجرى الأمور سار عفويا على هذا النحو. من أهم مؤشرات هذه المفارقة الأسماء التي رشحت في قوائم الأحزاب المهيمنة، والتي يكاد يحدث بشأنها إجماع على أنها ''هزيلة'' و''منتهية الصلاحية'' و''رديئة'' و''مستهلكة''، بعضها عمّر طويلا في البرلمان دون أن يضيف شيئا غير ''الشيتة''. فيما سيجد المواطن عبر شاشته ثلث الوجوه الحالية في البرلمان القادم، حيث أعيدت الثقة فيهم، رغم خطابات التغيير، وأسماء أخرى تورطت في فضائح فساد والبعض الآخر عجزت عن حلّ أزمات قطاعاتها، بينما تسعى قيادات تشكيلات سياسية إلى تحويل مبنى زيغود يوسف إلى تجمعات عائلية، بترشيح الأقارب من زوجات وإخوة وأبناء وأصهار، لدوافع مادية بحتة. على هذا النحو، عرضت على الناخب الجزائري بضاعة سياسية ''يمقتها''، ويجتهد العديد من المراقبين على أنها طريقة لتحويل توجهات الرأي العام الناخب إلى تيار آخر (التيار الإسلامي)، في مبتغى تغليب كفته للحصول على الأغلبية، تماشيا مع الحاصل عربيا وإقليميا، وإن كان لا يراد لهذا المبتغى أن يعمّر طويلا، وأن الحسم في مدى بقاء هذا التيار في واجهة السلطة يحدّده الشعب، بعد الحكم على فعاليته من عدمها في فترة قد لا تتجاوز موعد رئاسيات .2014 حوار عضو المكتب السياسي للأفالان عبد الرحمن بلعياط ''اختيار المترشحين صادر عن بشر معرّضين للخطأ'' ما تفسيرك لحالة الغضب الكبير كرد فعل على قوائم مرشحي الأفالان للانتخابات؟ - نحن متعوّدون على هذا الأمر وفي كل استحقاق، سواء كان محليا أو وطنيا. وهذا الغضب لا يتميز به حزبنا وحده، بل هو ظاهرة تجتاح كل الأحزاب، وتعني أيضا القوائم المستقلة. وسبب هذا الامتعاض خيبة أمل، إما بحكم الترتيب أو لعدم التواجد في القائمة. وهي ظاهرة عادية، قد تقل حدتها مع تحكيم العقل، لأن القوائم في معظمها خضعت لمقاييس طبقت في جميع الأحوال. وكما هو معروف عندنا، فالقاعدة تقترح وقيادة الحزب تفصل في الأمر. إذن، لا يوجد سبب سياسي في موضوع القوائم، مادام إعدادها تم بناء على مقاييس يعرفها الجميع، وهي الكفاءة والأقدمية وإمكانية القبول لدى القاعدة. غالبية الغاضبين يبرّرون رفضهم القوائم بكون شعار التشبيب الذي يرفعه الحزب غير متوفر فيها، زيادة على ترشيح أشخاص غير مناضلين في الحزب؟ - لا توجد أسباب مطلقة لمقاييس اختيار المترشحين، فالأمر مزيج بين عدة مقاييس. وفي الأخير، التقديرات التي أملت هذا الاختيار صدرت عن بشر، معرّضين للصواب كما هم معرّضين للخطأ. هناك من يتوقع الهزيمة للأفالان بسبب هذه القوائم الموصوفة ب''الهزيلة'' من طرف الغاضبين؟ - كثير ممن يقولون هذا الكلام، وليس لدي أسماؤهم، لو كانوا مدرجين في قوائم الترشيحات وفي مراتب ترضيهم، لتنبأوا بفوز كاسح لقوائم الحزب. هذا يدعوني إلى القول بأن حالة الغضب تنطوي على كثير من الاعتبارات الذاتية. إذن، أية مبادرة بعمل محتمل يستهدف الأمين العام للحزب أو لزعزعة الحزب على أساس مجموع خيبات أمل ذاتية، لا تبرّر وجود أسباب سياسية. وبالتالي، فالعبرة بالخواتيم، بمعنى أنه ينبغي انتظار نتائج الانتخابات لنرى إن كان الاختيار صحيحا. وفي كل الأحوال، قرار الشعب لا يملكه أحد، سواء بالتنبؤ أو باليقين. وحول من يتوقع الهزيمة دائما، أقول إنه حتى لو لم يعترض أحد على قائمة المرشحين، هذا لا يعني النجاح المؤكد لها يوم الانتخاب، لأن الجواب في النهاية موجود في الصندوق. أثير جدل حول الجهة التي تحدّد المرشحين، هل صحيح أن رئيس الجمهورية الذي هو رئيس الحزب، كان له دخل في ذلك؟ - ليس لدي علم بهذا الأمر، وشخصيا أستبعده تماما. وفي حدود فهمي للأشياء، أعتقد أن نجاح الرئيس ليس في نجاح القوائم. بينما نجاحه الحقيقي يكون في تنظيم انتخابات في ظروف من الاستقرار والهدوء، وأن تحصل هذه الانتخابات على مصداقية، ونجاح الرئيس في أن يؤدي المجلس المقبل مهامه في إرساء منظومة دستورية فعالة. الجزائر: حاوره حميد يس عضو المكتب الوطني للأرندي صديق شيهاب ''لا يوجد ضمن مرشحينا دخلاء'' احتج عدد كبير من مناضلي الأرندي وقيادييه على قوائم المترشحين. ما تفسيرك؟ - لم تكن هناك ردود فعل غاضبة حادة في الأرندي. الأمر لا يعدو احتجاج أشخاص لم يقبلوا ترتيبهم في القائمة، أو لم يجدوا أنفسهم فيها، وهذا أمر طبيعي. القصد من كلامي أن الاحتجاج كان محدودا، ولم يؤثر على تماسك الحزب، ولم يحدث تصدعا في صفوفه. من بين الاتهامات الموجهة لقيادة الحزب أنها رشحت الوجوه المعتادة، وأقصت أشخاصا أكثر كفاءة وقبولا في محيطهم؟ - هذا غير صحيح، فالتغيير كبير في قوائمنا، مع احتفاظنا ببعض الكوادر فقط ممن تتمتع بالقبول داخل الحزب، وتملك سمعة طيّبة في أوساطها. ففي الأرندي، القاعدة النضالية هي التي تولت عملية الترشيحات والاختيار، ولا يوجد في حزبنا دخلاء على قوائمنا، بل كل المرشحين مناضلون وكلهم من أهل البيت. وبعبارة أخرى، انتهجنا في الحزب طريقة اللامركزية في إعداد القوائم واختيار المرشحين، وحمّلنا الهيئات الولائية مسؤولية هذا الأمر تفاديا للتدخلات والضغوط الخارجية، وحتى نحصر الاستشارة في المحيط المحلي. وقد جرّبنا هذه العملية في انتخابات 2007 وأعطت نتائج جدية. وبالمحصلة، عندما تكون القاعدة مسؤولة على اختيار المرشحين، نضمن نسبة رضا عالية على القائمة التي ستخوض المنافسة. يؤخذ على الأرندي أن ''الشكارة'' تدخلت في اختيار المرشحين، فيما يتنبأ الكثير بهزيمته بسبب ما وصف ب''هزال القوائم''؟ - من يقول إن الهزيمة ستكون مصير الأرندي، هم أولئك الذين صنعوا لأنفسهم أمجادا وهمية في أبراجهم العاجية. أما الحقيقة التي لا يعترفون بها، فهي أنهم لا أثر لهم في الميدان. وبخصوص المال أو الشكارة، كمقياس لاختيار المرشحين، لا أرى ما هي حجج الذين يوجهون لنا التهمة. إذا كان القصد هم رجال الأعمال، فهم يعدّون على أصابع اليد الواحدة، ولا يتجاوزون الخمسة في كل القوائم، وهم في غالبيتهم أصحاب مؤسسات صغيرة، وهؤلاء مناضلون في الأرندي منذ سنوات التأسيس الأولى. فعلا، لا أعتقد أن ظاهرة الشكارة موجودة عندنا، إن لم نقل إنها منعدمة. المستاؤون من قوائم الأفالان والأرندي، أو حزبي السلطة كما يوصفان، يرون أن الاختيار يخدم أحزاب التيار الإسلامي. ما رأيك؟ - هذا الكلام ظرفي، منطلقه ذاتي. فقوائم الأرندي تضم مناضلين اختارهم رفاقهم المناضلون من القاعدة ليكونوا في طليعة المرشحين، فهل بسبب طريقة هذا الاختيار نحكم على القوائم بالهزال؟! إن الأرندي لا يضم ديناصورات، فهو حزب حديث النشأة، هيكليا وتنظيميا، وقوائمنا تتألف من أشخاص لديهم القدرة على رفع التحدي، وهؤلاء لا تستهويهم النجومية، ولا يريدون الوقوع في فخها. الجزائر: حاوره حميد يس