ترميمات عاصمة الثقافة الإسلامية.. ”يا المزوّق من برّه..” ابنة مسؤول سامي ترمّم متحف الباردو بالبيض مقابل مليار سنتيم! يعتبر ملف الترميم أو إعادة الاعتبار للأماكن التاريخية من أعقد الملفات الثقافية في البلاد، ليس فقط بالنظر للميزانيات الضخمة المرصودة للقطاع والتي لا أحد يعرف أين تبدأ وأين تنتهي، ولكن أيضا لطبيعة سير العمل وإدارة هذا الملف وطرق منح الصفقات، خاصة في ظل غياب مؤسسات متخصصة ومكاتب دراسات قادرة على التكفل بما يسند إليها، ما فتح المجال واسعا أمام البزناسية والدخلاء للتلاعب بالإرث والهوية الحضارية للبلاد. ورغم الأموال الضخمة المرصودة للقطاع والبرامج المختلفة الهادفة إلى إعادة الاعتبار للترميم إلا أن التقارير الدولية الصادرة عن اليونيسكو تكشف فشل هذه المخططات، ليس بسبب قلة الموارد المالية لكن لغياب استراتيجية مدروسة. لماذا فشلنا حتى الآن في إيجاد مدارس متخصصة في الترميم؟ لماذا لا تمنح مشاريع الترميم عن طريق مناقصات وطنية واضحة؟ ولماذا يعتبر الترميم الملف المسكوت عنه في القطاع الثقافي؟ في هذا الملف بعض الإجابة... سياسة البريكولاج تقضي على آثار الجوهرة التي رمّمت بالملايير! ترميمات عاصمة الثقافة الإسلامية.. ”يا المزوّق من برّه..” كان لمدينة تلمسان، في إطار كسبها لرهان عاصمة الثقافة الإسلامية التي اختتمت فعالياتها مؤخراً، نصيب من ريع وزارة تومي التي بقدر ما أغدقت على العديد من المؤسسات الثقافية التي كسبت ودّ الوزيرة وحاشيتها، بقدر ما عملت تلك المؤسسات على تشويه معالم الثقافة في الجزائر، آخرها عاصمة الزيانيين التي أثارت ترميماتها التي التهمت بالملايير، العديد من التساؤلات. شنّ عدد من المؤرخين والمختصين في علم الآثار، الهجوم على وزارة الثقافة وبالتحديد دائرة التراث بالوزارة التي تسببت - حسبهم - في طمس المعالم الأثرية لمدينة تلمسان، وخاصة في قصر المشور ومنارة المنصورة وبعض المساجد العتيقة بالمدينة، حيث اعتبر هؤلاء أن عملية الترميم تمت باستعمال مواد خطيرة على البناء ستهدد هذه الآثار وتؤدي إلى انهيارها نهائياً. مختصون يستنجدون: ”جواهر تلمسان طُمست”! عن هذه العملية كشف المؤرخ وعالم الآثار، عبد الرحمن خليفة، أنه بعدما زار عددا من المواقع الأثرية التي رُممت في إطار عاصمة الثقافة الإسلامية، وجد أن عملية الترميم تمت بدون الرجوع إلى أشخاص أكفاء ومختصين في الآثار، وهو ما شوه هذه المعالم الأثرية. ومن أمثلة هذه الأخطاء طمس عدد كبير من المعالم التاريخية الموجودة بقصر المشور الذي تمت به عمليات الحفر دون وجود مراقبين ومختصين، ما جعل جزءا هاما من هذا التراث يطمس تحت التراث. وحمل المتحدث وزارة الثقافة مسؤولية هذا الخطأ الكبير الذي ارتكب ضد التراث المادي الذي تزخر به الجزائر. دعا المتحدث في ذات السياق الحكومة إلى بعث لجنة تحقيق في هذا الموضوع، حتى لا تمحى معالمنا التاريخية وتندثر باسم الثقافة. ”مونيفريّة” حولهم مستشارو تومي إلى مختصين في ترميم الآثار! يقول أحد العمال الذين وجدناه بقصر المشور، أين كان يقوم بإعادة تهيئة بعض الأجزاء التي سقطت من سقف القصر، الذي لم يمر وقت طويل على ترميمه، أنه مجرد بناء ليس له أي علاقة بالترميمات الأثرية أو بالمواد التي يستعملها هؤلاء في عمليات الترميم، فهو وما يقارب الخمسين عاملا آخر تواجدوا هنا بقصر المشور لإعادة القصر إلى بهائه ورونقه الذي كان عليه منذ سنوات، ولكن بفعل الزمن والإهمال تحول القصر الذي شيد منتصف القرن الثالث عشر ميلادي وكان مقر إقامة سلاطين الدولة الزيانية، إلى هيكل خال من أي روح حضارية. وفي رده على سؤالنا حول أسباب سقوط أجزاء من السقف والجدران التي لم تمر إلا أشهر قليلة على عملية ترميمها، قال المحدث الذي رفض الكشف عن اسمه، إن المواد التي تمت بها عملية الترميم هي مواد بسيطة جداً تتكون في الغالب من مادة الجبس وأسباب تساقط بعض أجزاء القصر بين الحين والآخر، هي نتيجة للهيكل القديم الذي أعيد ترميمه وفق معايير لا يرى أنها تتناسب وموقع القصر الذي يعود إلى القرن الثالث عشر، لذلك فقد وجد نفسه وعدد من العاملين الذين كانوا منذ ما يزيد عن 7 أشهر يقومون بترميم القصر، مطالبين بالحضور لمعاينة القصر وبعض الأجزاء منه التي كانت تتساقط دون معرفتهم لسبب ذلك.. حيث نوه المتحدث إلى أنه لا يعرف السبب وعلينا طرح السؤال على مختصين في الآثار لا عليه هو، لأنه في الأول والأخير مجرد عامل بسيط لا يفقه في مثل هذه الأمور التي تحتاج إلى مهندسين وخبراء حتى يتم صيانته وإعادة الحياة فيه. واعتبر عمي محمد، الذي كان يقوم بوضع الجير على الجدران الخارجية للقصر، والتي كانت تقام الأشغال به حتى يوم قبل اختتام تظاهرة الثقافة الإسلامية في ال26 من الشهر الفارط، أن الحصول على عامل مؤهل ليحدثنا عن مدى احترامهم لمعايير الترميم التي من المفترض أن تتم في هذا الموقع الأثري هي مهمة شبه مستحيلة، لكونه شخصيا منذ أن التحق بهم للعمل معهم في هذا المشروع لم يلتق بأي واحد منه، مع أن الضرورة كانت تتطلب وجودهم في موقع الحدث وعقد جلسات عمل معهم حتى يقوموا بالترميم الحقيقي للموقع الأثري وليس إعادة بنائه شأنه شأن أي بيت آخر قام ببنائه أوإعادة بنائه في حياته المهنية الطويلة. من خلال هذه الدردشة التي جمعتنا بعمي محمد، الذي رفض أن يتحدث معنا بعدما علم أننا نقوم بتحقيق حول الكيفية التي تمت بها عملية الترميم الخاصة بالمواقع الأثرية للمدينة، إلا أنه نصحنا بضرورة إخفاء شارات الصحافة التي دخلنا بها القصر، حتى يتسنى لنا التجول فيه بكل حرية دون عرقلة من قبل الحراس المكلفين بأمن القصر، الذين رفضوا أن نأخذ صوراً للقصر، خاصة في المناطق التي تعرف إعادة ترميم أخرى بعدما انهارت أجزاء منها. ولكن رغم كل محاولاتهم حاولنا أن نحصل على بعض الصور من أجل إثراء الموضوع ونقل الحقيقة التي حاول منسق التظاهرة إخفاءها على الوزيرة، التي قمنا معها بزيارة للقصر أسبوعا بعد إجراء هذا التحقيق، حتى تبين لنا أن الأمور فيه عادت إلى طبيعتها حتى إشعار آخر، وهو ما أكده لنا عدد من العاملين هناك الذين تواجدوا في القصر منذ أشهر، حيث أن هناك بعض أجزاء القصر تنهار على الأقل مرة في الأسبوع، ما جعلهم يعيدون الأمور إلى نصابها مرة أخرى، ما يؤكد إمكانية انهيار القصر في أي لحظة. ورغم أن عملية ترميم المدينة تمت من طرف 50 مؤسسة، إلا أن هذه المؤسسات أغلبها حصلت على صفقة الترميم بطرق مشبوهة، وهو ما جعل عملية الترميم أقرب إلى عملية تجميل مشوّهة طالت المدينة، خاصة بعدما استعمل هؤلاء مواد أولية لا علاقة لها بخصوصية المدينة، هذا التشويه ستحمّله الأجيال القادمة لوزارة تومي، التي لم تراع الدقة والخبرة في عملية الترميم بقدر ما اهتمت بضخ هذه المشاريع في خزائن أشخاص لا علاقة لهم بالترميم. 25 مقاولا ينتظرون تسوية مستحقاتهم المالية! رغم أن التظاهرة أخذت حصتها حتى آخر دينار، إلا أنّ هناك 25 مقاولا ممن قاموا بترميمات المنشآت الأثرية للمدينة إلا أنهم لم يقبضوا أي سنتيم لحدّ الساعة، حيث فضلت وزارة تومي أن تمنح المستحقات المالية ب”الوجوه” مثلما كان الحال مع حصص الترميمات التي منحت أغلبها لمعارف مستشاريها، فيما تم جلب عدد من المقاولين للتستر على سياسة ”المعريفة” والمحسوبية و”الشيبة” التي حكمت التظاهرة منذ بداياتها وحتى اختتامها. أشار أحد المقاولين الذين التقيناه أثناء زيارتنا لعاصمة الزيانيين، إلى أنه لازال ينتظر وأكثر من مقاول مستحقاتهم المالية، بعدما قاموا بترميم عدد من المنشآت الأثرية بالمدينة، كقصر المشور وعدد من المساجد التاريخية بها، لكن رغم مرور أشهر على انتهاء عملية الترميم؛ إلا أنهم لم يأخذوا مستحقاتهم المالية بعد أمام تماطل مديرية الثقافة للولاية التي كانت تحولهم إلى والي الولاية الذي لا يملك أدنى تدخل في هذه التظاهرة. وأمام هذا الإجراء حاول هؤلاء المقاولون، يضيف ذات المصدر الذي رفض الكشف عن هويته، الاتصال بوالي الولاية، إلا أن هذا الأخير لا يملك أدنى حل لمشاكل هؤلاء، كونه كان خارج حسابات التظاهرة وحسابات الوزيرة التي كانت تصعد من حدة خلافاتها معه حتى آخر يوم من هذا النشاط الذي امتد لأزيد من سنة. وقد علمت”الفجر” من مصادرها الخاصة، أنّ هناك العديد من القضايا التي رفعها عدد من المقاولين ضدّ اللجنة المنظمة للتظاهرة من أجل أخذ مستحقاتهم، خاصة أنهم سجلوا تلاعبات كبيرة من قبل المنظمين الذين حاولوا رمي كل شيء على عاتق والي مدينة تلمسان، في الوقت الذي لا يملك الوالي أي دخل في القضية. وفي سياق متصل، وجهت عشرات العائلات شكاوي لمديرية الثقافة للولاية، تتهمهم فيها بتماطل مصالحها في النظر إلى بناياتهم المحاذية للمعالم التاريخية للمدينة، وبعد رفض المديرية الاستماع الى شكاويهم انتظرت عدّة عائلات الزيارة التفقدية التي قادت الوزيرة إلى عدّة مواقع أثرية بالمدينة وقدموا لها انشغالاتهم. وفي سياق متصل أكد لنا أحد المحتجين على قائمة الترميمات التي نالتها بعض مساكن الولاية إلى أنها تمت بمديرية الثقافة للولاية، وأن وزيرة الثقافة لا تعلم بهذه التجاوزات التي ارتكبت في حقهم، لأنهم حين تحدثوا مع الوزيرة وعدتهم بإعادة النظر في ملفاتهم. وعلى الرغم من وعود الوزيرة، إلا أنّ هؤلاء مع اختتام التظاهرة سيفقدون الأمل في إمكانية الحصول على حقوقهم في ترميم مساكنهم التي تندرج ضمن التراث المادي الواجب الحفاظ عليه، خاصة أنّ ريع التظاهرة قد صُرف. حياة سرتاح ثماني سنوات شاهدة على جريمة في حق التراث الوطني ابنة مسؤول سامي ترمّم متحف الباردو بالبيض مقابل مليار سنتيم! استعمال آلات قطع الرخام في إزالة الزخارف.. وبوّابون برتبة تقنيين يعتبر متحف الباردو نموذجا حيا عن الطريقة التي تدار بها المشاريع الثقافية في هذا البلد، حيث توجد البناية العريقة التي يعود تاريخها إلى العهد العثماني في وضعية جد سيئة؛ لم تصلها حتى أن قبل أن تخضع للترميم. وقفت ”الفجر” على الوضعية الكارثية التي آل إليها معلم تاريخي وفني بحجم الباردو، حيث تم طمس وإزالة مختلف الشواهد التاريخية الأصيلة في البناية وتعويضها بأخرى لا علاقة لها لا بالحقب التاريخية ولا بنوعية المواد المستعملة في الإنجاز.. وصلت إلى درجة استعمال ”طرونسونوز” لقطع الرخام في إزالة الطلاء، الأمر الذي أدى إلى إزالة كل النقوش الصخرية والزخارف على الأبواب المقوسة التي صارت مجرد أحجار لا معنى لها. التجاوز في حق هذا المعلم لم يتوقف عند هذا فحسب؛ حيث تم منح مشروع الإنجاز بدون المرور على قانون الصفقات العمومية وبدون احترام المقاييس المعمول بها في اختيار مكاتب الدراسات؛ حيث تحصلت ابنه مسؤول رفيع المستوى على حق تجهيز ورشات السينوغرافيا وترميم الجدران، مقابل ميزانية قدّرت حتى الآن ب17 مليار سنتيم. وقد تم استعمال البيض والجير والرمل في عملية الترميم، ما أدي بالجدران إلى التشقق والتفتت دون أن تحرك الوزارة المعنية ساكنا. وأكثر من هذا؛ فرغم وجود دفعة من الشبان المكونين في الترميم منذ 1997 و1999، إلا أن تهميش الكفاءات وصل إلى حد الاستعانة بأعوان الأمن والبوابين في أشغال الترميم والإشراف على القاعات.. فاختلط الحابل بالنابل. حالة الباردو ليست إلا نموذجا من بين آلاف النماذج المنتشرة عبر الوطن عن الطريقة التي تتم بها إدارة ومنح المشاريع الثقافية التي صارت عند البعض طريقا لكسب المال دون الأخذ بعين الاعتبار ذاكرة الأجيال، فالباردو ليس أكثر من حالة تضاف إليها آلاف الحالات المعلومة والمجهولة، مثل ترميم قبر إغمراسن بالخروب بقسنطينة، وآثار تبسة، وغيرها، وما خفي أعظم في قطاع صار الحديث عنه يفوق خطورة الحديث عن أمن الدولة.