لم يحظ أي شاعر عربي بما حظي به نزار قباني من حفاوة وحضور جماهيري فاق كل التصورات خلال زيارة الجزائر سنة 1981، ولحد اليوم مازال شاعر المرأة الكبيرة يتربع على الرقم القياسي في عدد المحبين الذين تابعوا الأمسيات الشعرية بمدن الجزائر ووهران وعنابة. لقد امتلات قاعة الأطلس عن آخرها، وأحصت والشرطة والصحافة ما يقارب الألفي جزائري وجزائرية، تابعوا أمسية نزار قباني في شوارع باب الوادي عن طريق مكبرات الصوت التي كانت تبث إلقاءه الرائع لأجمل قصائده. علاقة نزار قباني بالجزائر لم تكن وليدة سنة 1981، كانت قد نقشت بذهب لا يمحى في نهاية سنة 1957 حين نشر الشارع الكبير قصيدته الرائعة "جميلة بوحيرد" التي طافت بكل أنحاء الوطن العربي، وكانت أول قصيدة عربية تحظى بالترجمة إلى أكثر من عشرين لغة في العالم. حصل كل هذا قبل أن يدور العام على نشر قصيدة "جميلة بوحيرد" خطوة لم يعرفها الشعر العربي إلى اليوم، ونجاح لم ينله أي شاعر عربي في الخمسينيات. لقد زلزل نزار قباني جزءا كبيرا من شعوب العالم، حين أبرز بقصيدته الخالدة وحشية جلادي الإستعمار الفرنسي، وكانت المجاهدة البطلة جميلة بوحيرد رمزا عظيما لصمود المرأة الجزائرية، مثل أخيها الرجل، في وجه أولئك السفاحين، فمهما استعملوا من طرق التعذيب الوحشي الذي يستحيل وصفه ومهما جلبوا من آلات كهربائية ويدوية تمزق الجسد شبرا شبرا، لم يستطيعوا الفوز بأي سر من الأسرار الكبيرة التي كانت جميلة بوحيرد تحملها عن ثورتنا وأبطالها. لم تكن جميلة بوحيرد المجاهد الوحيدة التي تحدت وحوش الإستعمار، وإنما كانت "الرمز" الذي انتشر عالميا، كان إسمها مثل جميلة بوعزة وجميلة بوباشا يحمل كل معاني "الجمال"، من الجمال الأنثوي إلى جمال التجلي والصمود، فالتحدي أمام طغاة ظنوا أن جبروتهم سيدوم فيغلب ثورة شعب كان قد صمم برجاله ونسائه أن تحيا الجزائر. ذكرى نزار قباني شاعر المرأة الكبير، شاعر اليقظة والثورة والتقدم لن تغادر الجزائريين أبدا. لقد كان، رحمه الله، يؤكد في كل المجالس أن "خيبات العرب وانهزاماتهم المتكررة ناتجة عن عدم استخلاصهم العبرة من ثورة الجزائر".