لم تستغرق صدمة المفاجأة بفيضان وادي "أقدم" القادم من تمنراست، قبل أيام، كثيرا من الوقت، إذ سرعان ما تحولت الى بشرى رحب بها السكان الذين هونوا من حجم كارثة لفتت إليهم انتباه المسؤولين مقارنة بالعذاب اليومي الذي يعيشونه في بقعة استنزفت روحهم وأجبرتهم على مصارعة الموت مع كل إطلالة شمس. لا تبعد عن برج باجي مختار إلا ب 150 كلم فقط، لكن الوصول إليها يكاد يكون مستحيلا، إلا للراسخين في الصحراء والذين سلموا أرواحهم لبارئها، أما الغرباء عن تيمياوين فلن يكون مصيرهم إلا الموت والتيه وفي أحسن الأحوال السقوط في أيدي قطاع الطرق المنتشرين بشكل مثير للانتباه. أما الجماعات الإرهابية المسلحة فلن يستوعبوا حتى مجرد احتمال الالتقاء بها في وقت يعتبر أكبر خطر يمكن أن يتربص بمرتادي طريق الموت، فهي طريق عبور الإرهابيين إلى مالي، قادمين من تمنراست أو متوجهين إليها ولا يخفى على أحد صعوبتها على أكثر من صعيد بغض النظر عنأن 100 كلم منها كلها غير معبدة وصعب تحديد مساراتها، حيث سبق لموكب أمني أن تعرض للهلاك بسبب التوهان والذي لا يسلم منه حتى أبناء المنطقة ممن يتجاهل الاستعانة بالدليل أو العارفين بخبايا الصحراء. فيضان ليلي يفاجئ السكان بعد 14 سنة من الكارثة الكبرى هي حقيقة وقعت في أقصى الجنوب المنتمي إلى الجزائر ولم ينسجها خيال سكان تيمياوين، فقد فوجئوا ليلا بفيضان ذكرهم بكارثة 1998 وعاشوا رعبا تسبب في خسائر تباينت الآراء حول حجمها بين مضخم ومهون على مواطنين تعودوا أن يقتنعوا بالقليل وألا يطمحوا كثيرا من مسؤولين بالكاد يعترفون بحقوقهم، حيث وفي حدود الساعة التاسعة والنصف ليلا، بلغهم وادي "أقدم" القادم من تمنراست جارفا معه كل ما يعترضه وبلغ منازل المواطنين على ارتفاع وصل إلى 50 سنتمترا وانهارت بسببه أربعة أعمدة كهربائية، في حين أحدث خسائر معتبرة في مخيم اللاجئين الماليين الذين يتواجدون أصلا في الوادي الذي كان جافا، وتم على إثره استبعاد اللاجئين الذين تمكنوا من النجاة وتحويل 16 خيمة عن مكانها والتخلص من 7 أخرى أتلفها السيل الجارف، إضافة إلى تأمين المخيم بالمؤونة الغذائية التي فسدت كلها، في وقت لايزال حجم الخسائر التي تعرض اليها البدو الرحل مجهولة وعدد الإبل التي نفقت وإن كان الوضع يشير الى كارثيتها باعتبار أن الفيضان استمر حتى تينزواتين على امتداد عشرات الكيلومترات، وقيل لنا بعد وصولنا الى تيمياوين إن رئيس البلدية قد توغل في الصحراء لمعاينة الأضرار رغم أن الكارثة وقعت قبل أسبوع وأثارت الكثير من الجدل، وكنا نتوقع أن يفصل المسؤول عن تيمياوين في الأمر ويقيّم حجم الكارثة والأهم وضع حد للأقاويل المنتشرة كالنار على الهشيم. بدو رحل يقاسون وحدهم تبعات الفيضان مضى كثير من الوقت قبل أن يكتشف المسؤولون أن هناك من تضرروا من الفيضان دون أن يتمكنوا من نقل معاناتهم. وأشارت مصادر عديدة الى أن خسائر كثيرة تكون قد سجلت في أوساط البدو الرحل الذين جرفت المياه ثروتهم الحيوانية خاصة وأن الفيضان ركد في تيمياوين وجف في أغلب المناطق التي مر منها في حين أنه وطوال المنطقة الرابطة بين تيمياوين وتينزواتين لايزال شديد الجريان وهو موقع محبب للبدو الرحل للتمركز به ولن تعرف الحصيلة النهائية للخسائر في الوقت القريب كما سيستمر خطر فيضان الوديان الى غاية شهر أكتوبر، كما أن التهديد لايزال قائما. سكان أقصى الجنوب يرحبون بكارثة أعادتهم إلى جزائريتهم لم نفهم في بداية الأمر شعور السكان مما أصابهم جراء فيضان وادي تمنراست، ولم نعرف أنهم فرحوا بهذا الحدث إلا بعد دخولنا تيمياوين بمساعدة المصالح الأمنية، فقد حوّل الفيضان أنظار المسؤولين إلى المنطقة وأجبرهم على الوقوف على احتياجاتهم، باعتبار أنهم وبالرغم من افتقارهم الى أهم ضروريات العيش الكريم، إلا أنهم ابعد من أن يتصدروا أولوية السلطات التي ترسخ ما نقشته الظروف المعيشية الأكثر من صعبة. وحسب أحد السكان فإن التجاهل الذي يعيشونه بسبب انتشار الجريمة في هذه المنطقة لا يمكن أن يتحمل مسؤوليته السكان وعلى السلطات الجزائرية أن تجد حلا يعيد إليهم كرامتهم وأن يستفيدوا كما الجزائريين من المياه والكهرباء وشبكة الهواتف ومختلف المستلزمات في بلد احتياط الصرف فيه يتجاوز 200 مليار دولار؛ إذ لا يعقل أن تقصي شركة سونالغاز منطقة تيمياوين من تغطيتها، وتحرم سكانها من الكهرباء لأكثر من نصف قرن عانوا فيه الأمرين في حياتهم بمنطقة تتجاوز فيها شدة الحرارة 45 درجة وتنعدم فيها أدنى ضروريات الحياة، إذ يضطر السكان إلى الاعتماد على أنفسهم في كل صغيرة وكبيرة مرتبطة بحياتهم، وإن كانت قسوة الحياة قد أنهكتهم وأفقدتهم الثقة في المسؤولين الذين جعلوهم يتذيلون ترتيب أولوياتهم ولا تستجاب لمطالبهم التي تكدست بها أدراج المكاتب الإدارية على رأسها تنصيب شبكة الكهرباء، الغائب الأكبر. فهم ولحد الآن لايزالون يعتمدون على المولدات لضمان النزر القليل من هذه الطاقة التي لا يمكن لها أن توفر لهم ما يحتاجونه خاصة وأنها أضعف من أن تتمكن من تشغيل المكيف. وأشار عدد من السكان إلى أنه وقبل سنة كانت المنطقة تستفيد من الكهرباء في إطار نظم حصص؛ بحيث لا يستفيد حي منها إلا وتقطع في حي آخر، ولم يتم تمكين السكان من هذه المولدات على ضعفها إلا بعد مظاهرات عبروا فيها عن مدى امتعاضهم من الوضعية التي فرضت عليهم. ومن مشاكل السكان أيضا حرمانهم من التصنيف الرعوي رغم توفرهم على ثروة حيوانية هامة وبالتالي حرمانهم من حقهم في الدعم الفلاحي، ومؤخرا أجبروا على مقاساة سنة جافة كادت تقضي على ثروتهم الحيوانية المقدرة بعشرات الآلاف خاصة عند البدو الرحل. مسؤولون غائبون يستفيقون على خبر الفيضان فاجأ الفيضان الذي أحدث ضجة كبيرة في الجنوب المسؤولين كما فاجأ المواطنين، فقد فضح أمورا كثيرة كادت تمر مرور الكرام، فلا أحد تحمل مسؤوليته وكشف عن حجم الاضرار وكل يبرر ذلك على طريقته فمنهم من هو في عطلة ومنهم من قلل من حجمها لتجاوز خطإ عدم الاعلان عنها في الوقت المناسب أما نشرية الأحوال الجوية التي يمكن أن تجنب السكان أي كارثة فقد كانت غائبة تماما والكل اعتمد على أعوان الحماية المدنية ومصالح الامن التي تدخلت مباشرة مع وصول الفيضان الى منطقة تيمياوين لتأمين اللاجئيين الماليين الذين كانوا داخل خيمهم ولو وصل الوادي نهارا لسجلت فيه خسائر بشرية معتبرة خاصة في صفوف الاطفال، في وقت اعتمد الجميع على تصريحات رئيس البلدية الذي فشلنا في الاتصال به لتأكيدها أو نفيها ولحد الآن لم تتضح فعليا حجم الاضرار التي تسبب فيها الفيضان الذي لم تعرف المنطقة مثله منذ 1998؛ حيث أعادت ذاكرة السكان الى الكارثة التي جعلتهم يفرون الى الجبال لإنقاذ أنفسهم ولو جاء بنفس القوة لما نجا أحد ويترقب السكان أن يحظوا بالمساعدات خاصة وأن منازلهم الطوبية قد أضعفتها المياة التي روت جدرانها مؤكدين أن أية موجة رياح حتى ولو كانت خفيفة قد تهدم منازلهم، كما يترقبون أن يكون الفيضان سببا في إحداث القطيعة مع التجاهل الذي يتعرضون له من قبل السلطات التي تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية في بقاء هذه البقعة من الوطن حبيسة الجهل والفقر وكثير من المعاناة التي لا يقدر حجمها كثير من الناس، كما أنها عرضة للجماعات الارهابية المسلحة التي لن تبذل كثيرا من الجهد لتجنيد شبابها المحروم من كل الحقوق للانضمام إلى صفوفها.