أبدت، الناشرة والمترجمة السويدية من أصل الأردنية "منى زريقات هنينغ" قلقلها من الطريقة السيئة التي تطال ترجمة الأعمال الأدبية الخاصة بالأطفال داخل الوطن العربي في ظل غياب إستراتيجية ناجعة وواضحة تطور ذلك، ناهيك عن المصلحة التي أضحت تتحكم في السوق الأدبية والتي ساهمت في تراجع مستوى أدب الأطفال بشكل مخيف، ونوّهت إلى ضرورة إعادة النظر في تسيير هذا القطاع الحيوي الذي بات مهددا من كل جانب. وعن هذا الموضوع تقول في حوار ل "الفجر" التي التقتها على هامش صالون الكتاب الدولي ال 17 الذي أسدل ستاره، أول أمس. ما هي المعايير التي يتم اعتمادها في ترجمة الكتب الأدبية لاسيما تلك المخصصة للطفل في السويد؟ لا توجد معايير ومقاييس محددة، لكن ليس من السهل اختيار الكتب للترجمة لعدة اعتبارات منها الكاتب المترجم والنص المترجم ونوع العمل، غير أنّ الكتاب الذي يؤثر فيك ويعيد إليك ذكرياتك هو الكتاب الجمالي بكل ما يحتويه من مفردات ولغة جذابة وساحرة، بغض النظر عن مجال توجهه سواء كتاب شباب أو كتاب طفولة أو أدبي بشكل عام، حيث تختلف النصوص لكن تشترط الترجمة الجمالية لذلك. هل تعتبرين عنصر الجمالية جزء مهم في الترجمة دون غيره من العناصر الأخرى؟ بكل تأكيد فالجمال بمختلف أشكاله وبكل ما يحويه جزء مهم، بالإضافة إلى الكتاب وموضوعه وكذا الأشخاص الموجودة في الرواية أو القصة، ليأتي بعدها الأفق الواسع على غرار الأفق الإنساني، بينما في أدب الطفل حالة خاصة، فأنت تعمل على تعليم الناس بمختلف فئاتهم صفة التعاطف والطيبة أو كما يطلق عليه بالفرنسية "ساتيزم"، لأن الأدب بصفة عامة غذاء عقل الإنسان، وشعور الإنسان بالأدب أو بمختلف الأعمال الأدبية من كتب في الشعر والرواية والقصة، حيث تعتبر جزء هاما له مكانته في تفكيره. ما هو السبيل الناجع للارتقاء بترجمة أدب الطفل؟ كما ذكرت لك سابقا، نحن غائبون تماما في هذا المجال لسبب رئيسي، هو أنّ دور النشر العربية لا تأخذ أدب الطفل بجدية أكبر، بالإضافة إلى المدارس والمدرسين باللغة العربية الذين يجب عليهم البحث عن نصوص جمالية، لأنّ الطفل في مرحلته الأولى ينتهي من قراءة الكتب المصورة التي تحوي على رسومات وأشكال متنوعة عن الحياة، الطبيعة والعلاقات الإنسانية في المحيط الاجتماعي وداخل الأسرة، فتعبر بالنسبة إليه بالية وقديمة وبالتالي هو يبحث عن كتب جديدة ويتطلع إلى ما هو أفضل على مستوى المضمون الذي يحمل مغامرات وأفكار جديدة، وهذا راجع إلى تجربته التي تكبر معه وتفكيره الذي يتطور شيئا فشيئا حول رؤيته للمواضيع والأحداث، لهذا أنوه في السياق أنّه يجب الاعتناء به بشكل كبير، بعيدا عن العناية بأمور أخرى ترى على أنها مهمة أكثر من هذا الجانب، على غرار تحقيق جزء من الكتب العلمية له، مثل كتاب هاري بوتر الذي يندرج في مجال الخيال العلمي، فتوجد كتب للأطفال وقراءها من فئة الكبار نجحت نظرا لمستواها ومحتواها، وكذا كتاب "الصوفي" الذي كتبه جوستين قاردر، لابنته التي تبلغ من العمر 15، ومن اقتناه من في العالم العربي هم الكبار لأنه يحمل بعدا إنسانيا يمكن تطويره من خلال القراءة، وكما ذكرت أنفا فالكتاب يقرأ على عدة مستويات، حيث بإمكانك قراءة كتاب هذه السنة وترجع لإعادة قراءته بعد 50 سنة نظرا لتميزه في جوانب عدة وليس كل الكتب تتلى وتقرأ بهذا الشكل باعتبار عدة طبقات من الشعور الموجود في عمق الإنسان وكذا تجربة الكاتب الإنساني التي تعطي قوة الإبداع. كيف يتم تنظيم هذه الطبقات للوصول إلى رقي حقيقي بأدب الطفل خصوصا والأدب عموما؟ هذه تجربة ولا بد لها أن تكون لها قراءة متمرسة وبالتالي من يريد أن يكون كاتبا للأطفال، هذه الشريحة البكر، يجب أن يقرأ ما لا يقل عن ألفي كتاب من الكتب العالمية نتيجة عدم سهولتها، وما يحدث في العالم العربي الذي حاول تجريب بعض الطرق لإنجاح أدب الطفل إلا أنّ تجربته باءت بالفشل، وعلى سبيل المثال لا الحصر لو طلبت من أحدهم إعطاءك اسم كاتب جزائري يتناول في أعماله أدب الطفل لا يستطيع ذلك وقوبلت بإجابة "لا أعرف"، لهذا يستلزم إعداد بحث يتطرق إلى أسباب غياب أدب الطفل أو أدب الشباب لدى كتابنا بالمستوى العالمي، وأرى أنها تعد تراكم وانفتاح وحرية تعبير، فلا تنسى أنه تغيب وتكاد تختفي في الوطن العربي حرية التعبير وفي طرح مثل هذه القضايا، على غرار الكتاب الموسوم "اسمه رسائل إلى الله"، فافتراضا لو خاطبت الله "يارب كيفك اليوم" فماذا يترب عليك الذب والشعور بالإثم، فمن المستحيل ومن المبغوض مخاطبة الله بهذا الشكل، غير أنّ الأطفال يخاطبوا الله بهذه الطريقة، سوى أنه ممنوع في ثقافتنا وديانتنا، وبالتالي وجب منح حرية التعبير في إطارها المخصص لها دون تجاوزات لتحقيق الانطلاقة وخلق أدب أطفال حقيقي وفعال. إضافة إلى الطبقات، ما هو دور المدرسة في تفعيل وتوظيف آليات التحكم وتطوير أدب الأطفال أو أدب الفتيان على حد السواء؟ دعني أصارحك، غالبا في ما يحدث أن الأسرة العربية والجزائرية تترك أطفالها بشكل تام للمدرسة اعتقادا منها أنّ كلام المدرسة كلام منزه، وأنها هي التي تأمر بشراء أو رفض الكتب المسموحة أو الممنوعة، لكن حسب رأيي إذا كانت المعلمة غير قارئة والأم كذلك فإنها المشكلة إذن ويطرح سؤال من هو القارئ؟، لذلك إذا تم العكس وكان مدرس اللغة العربية قارئ للأدب العربي وعاشق للغة بمختلف أنواعها ولا أحكي في هذا الصدد عن العربية فقط فقد تكون الأمازيغية أيضا. فإنهم سيتمكنون من مسك العصا من وسطها ولا خوف على أدب الطفل مادام هناك ركائز ودعائم قوية لا تسمح بسقوطه بل تسعى لتطويره وترقيته في العالم بأسره. بحسب تجربتك الطويلة في كتابة أدب الشباب والأطفال كيف تنظرين إلى الأدب بشكل عام في الوطن العربي والجزائر؟ لا يحتاج إلى تعليق لأن المشهد غائب والحركية الثقافية لا تزال راكدة ومتوقفة رغم المحاولات التي تسعى إلى تطويره والنهوض به، كما أن الأعمال الأدبية الكثيرة لا تعكس وضعه الحقيقي. أشرت إلى أنّ الترجمة تعدّ "تغريب" لأدب الطفل، ماذا يعني ذلك؟ أنا لم أقل ذلك وإنما أشرت فقط إلى بعض المحسوب عليهم من بعض الأسماء ومن الذين يكتبون في أدب الطفل من مختلف الدول العربية، حيث أنوه إلى كونهم يخافون من أن تنقسم كعكتهم إلى أجزاء كثيرة وبالتالي لا يحققون دخلا ماديا كبيرا، فهم يتحكمون في المونوبول ولا يريدون شراء الكتب من الخارج حتى يسيطرون على السوق الأدبية الخاصة بكتابة الطفل، بالإضافة إلى الشعور بالخوف من الغرب نتيجة الأمور التي يوظفونها في ما يتعلق بالعلاقات الجنسية أو أقل درجة منها الصداقة بين الفتيان والفتيات، فهذا السبب يجعلهم يبتعدون قدر الإمكان عن شراء أعمال الغرب الموجهة للطفل، باعتبار ديانتنا التي لا تسمح بذلك، وكلها في اعتقادي حجج واهية يعملون من خلالها على نشر الذعر في نفس المواطن البسيط حتى لا يقدم "ماله للغرب" بل يبقى يتعامل معه فحسب. ماذا عن وسائل الإعلام، هل لها تأثير بنسبة معينة في ترجمة وإنتاج الأعمال الأدبية الخاصة بالطفل؟ إنها من العناصر التي تساهم في نقد محتوى الكتب ونقد مثل هذه المواضيع، غير أنه لا توجد عندنا برامج إذاعية أو تلفزيونية أو صحف، وأن آخر ما يكتب عنه أو يتحدث عنه في أي وسيلة إعلامية هو أدب الطفل، حيث يعتبر بأنه أدب غير محترم. كما تغيب ثقافة توعية قراءة الطفل، لأنها صارت مثل "الكبّ والصبّ" دون إستراتيجية أو خطة واضحة تنتهج في سبيل إعداد طفل قارئ جيد. برأيك، ما هي الطريقة الأنسب للحد أو التقليل من هذه المظاهر السليبة التي تشوه أدب أطفالنا؟ نريد مفكرين وكتاب يأخذون بعين الاعتبار بجدية واحترافية شريحة الطفولة ولاشيء آخر سوى الاهتمام بها، لأنها تعد مستقبل الغد في مجالات عدة، سياسيا، ثقافيا، علميا وغيرها، بعيدا عن مختلف الحسابات، الأهداف والمصالح. ففيه محاولات لإحداث طفرة، لكن الوضع الآن تغير منذ عشرين سنة، فأتذكر عديد الكتب المصورة التي كانت في الماضي، أما الآن ورغم التقدم الذي يحدث شيئا فشيئا ويسير بخطى ثابتة، أعتقد بأنه غير كافي، بالنظر إلى محتوى هذه الأعمال التي تتميز بالسطحية وكتابها الذين ليسوا متميزين بما فيه الكفاية حتى يكتبوا في هذا الموضوع، بالإضافة غياب دور المدرسة ووسائل الإعلام وكذا القائمين على الشأن الثقافي في البلاد العربية. ماذا تحتاج ترجمة أعمال أدب الطفل؟ ليس بالضرورة أن تكون أديبا أو كاتبا، بل يشترط أن تملك الحس الطفولي وجمالية اللغة التي تتطلب بذل الجهد في إخراج نص جميل يتلاءم وهذه الفئة. غالبا في ما يحدث أن الأسرة العربية والجزائرية تترك أطفالها بشكل تام للمدرسة اعتقادا منها أنّ كلام المدرسة كلام منزه، وأنها هي التي تأمر بشراء أو رفض الكتب المسموحة أو الممنوعة