يبدأ الشاذلي حديثه، عن هذه الفئة، بنفي إشاعة كانت تقول بأنه خدم في الجيش الفرنسي وغادره برتبة رقيب. الشاذلي ينفي الإشاعة بحدة مؤكدا بأنه لم ينتم في أي يوم من الأيام للجيش الفرنسي (صفحة 60) وأن بعض السياسيين على رأسهم الرئيس السابق أحمد بن بلة هم من روجوا لذلك، مشيرا إلى أن بعض الباحثين كمحمد حربي، جيلبير منيي وبنجمان ستورا جانبوا الحقيقة عندما وضعوه ضمن الفئة التي خدمت في الجيش الفرنسي. الرئيس بن جديد لم يكتف بنفي الإشاعة المتعلقة به بل أضاف بأن تشويه الحقائق امتد ليشمل والده (صفحة 63)، ويضيف بأنه طلب من أحد الموظفين السامين بالرئاسة، عندما كان رئيسا للجزائر، أن يصحح الأمر لكنه لم يفعل. في مذكراته، يفرّق الشاذلي بين الجزائريين الذين خدموا في الجيش الفرنسي، أو الذين اضطروا لاعتبارات عديدة، لأداء الخدمة العسكرية في قوات العدو لكنهم التحقوا مبكرا بالثورة وقاتلوا مع المجاهدين الأوائل بالداخل، وبين الذين التحقوا بها خلال السنوات الأخيرة. الرئيس السابق يبدي احتراما كبيرا للفئة الأولى ولا يجد حرجا في إظهار الامتعاض من الفئة الثانية، حيث يقول: "وكنت دائما أميز بين من اضطر، لسبب أو آخر، لآداء الخدمة العسكرية في الجيش الفرنسي، وبين من عرفوا بالفارين من الجيش الفرنسي الذين التحقوا بالكفاح المسلح في وقت متأخر، وكانوا سببا في وقوع خلافات كثيرة أثناء الثورة وبعدها". عن الفئة الأولى يذكر سالم جوليانوا، قارة عبد القادر، عبد الرحمان بن سالم وغيرهم من الذين التحقوا بالثورة فكانوا إضافة معتبرة حيث أفادوها بتجربتهم من الجيش الفرنسي فدربوا الأفواج الأولى من المجاهدين وأصبح بعضهم قادة كبارا في صفوف الثورة وكان منهم من سقط في ميدان الشرف. أما الفئة الثانية، التي التحق أفرادها بدءا من وصول ديغول إلى الحكم في فرنسا، فيثير حولها الكثير من الشكوك ويذكر بعض الأحداث التي لا تخدم أبدا هذه الفئة دون أن يصدر أحكاما وكأنه يحاول توجيه المؤرخين نحو قضايا معينة. فهو يشير إلى أن المجاهد كريم بلقاسم أحاط "نفسه في وزارة القوات المسلحة بضباط لم يمض على فرارهم من الجيش الفرنسي إلا أشهر" ويذكر بالاسم أحدهم وهو الرائد إيدير، الذي وضع خطة كانت تستهدف بالدرجة الأولى المجاهدين الحقيقيين (صفحة 128). ما اتضح جليا بعدما سلمت قيادة أركان الشرق بعض الوحدات العسكرية للضباط الفارين من الجيش الفرنسي، حيث عيّنت كلا من محمد بوتلة وسليمان هوفمان وسليم سعدي على رأس فيالق استعملت لتضييق الخناق على الوحدات التي كان يترأسها مجاهدون من أمثال عبد الرحمن بن سالم، الشاذلي بن جديد والزين نوبلي (صفحة 129). خطة إيدير، الذي استغل إخلاص محمدي السعيد للثورة وثقة كريم بلقاسم، كانت لها، كما يقول صاحب المذكرات، "نتائج وخيمة وأثرت سلبا في قدرات المجاهدين ومعنوياتهم وأدت إلى وقوع العديد من حالات التمرد والعصيان". بعد تعيين هواري بومدين على رأس هيئة الأركان العامة للجيش، كان أول إجراء اتخذه هو تشكيل مكتب تقني ألحق به الضباط الفارين من الجيش الفرنسي، ويذكر الشاذلي من بين هؤلاء (الصفحة 149) كلا من: شابو، زرقيني، بوتلة، هوفمان وعبد المؤمن الذين كلّفهم بومدين بوضع خطة عضوية لإعادة تنظيم الجيش وانتشاره وهيكلته في شكل فيالق ووحدات للأسلحة الثقيلة. من بين الضباط الذين كان لهم دورا كبيرا في الجزائر المستقلة، خاصة خلال مرحلة التسعينيات، لا يذكر الشاذلي بن جديد سوى واحد فقط، هو خالد نزار الذي يذكره بالاسم واللقب فقط وبدون الرتبة التي كان يحملها وقت ذاك. يقول الشاذلي عن الشخص الذي عينه وزيرا للدفاع الوطني لما كان رئيسا للجمهورية، إن التحاقه بوحدته في المنطقة الأولى لقي معارضة شديدة من قادة النواحي "الذين كانوا لا يزالون يشككون في نوايا ودوافع التحاق بعض الفارين من الجيش الفرنسي.." (صفحة 152). في تعرضه لعلاقة بومدين بهؤلاء الضباط، ينفي الشاذلي كل التهم التي وجهت له باعتباره حاضن هذه الفئة، مؤكدا "أن بومدين حين استلم قيادة الأركان وجد هؤلاء الضباط يحتلون مناصب مسؤولية" (الصفحة 153). يذهب الشاذلي بعيدا في الدفاع عن حسن نية بومدين عندما يقول بأن أول إجراء عملي قام به، عندما عين على رأس الأركان العامة، هو أنه سحبهم من الوحدات وألحقهم بالمكتب التقني الذي أنشأه بالأركان، مضيفا بأن بومدين "ربما كان يشك في دوافع البعض منهم الذين فروا إلى جيش التحرير الوطني بعد وصول الجنرال ديغول إلى الحكم في فرنسا والذي كان، يردد في حلقاته الضيقة كما كتب في مذكراته، أنه يريد أن يعرف ماذا يحدث في جيش التحرير.. القوة المؤهلة لحكم الجزائر بعد الاستقلال" (صفحة 154). بعد استعادة السيادة الوطنية، يقول الشاذلي إن معظم المديريات التي أنشئت على مستوى وزارة الدفاع الوطني أسندت إلى الضباط الفارين من الجيش الفرنسي مما أثار غضب الكثير من المجاهدين، خاصة وأن بعض أولئك كانوا يتهكمون، في الوحدات التي يسيطرون عليها، على المجاهدين الضباط ويثيرون الجنود عليهم ويذكر في ذلك حالة الملازم أول العربي بلخير، الذي أصبح في زمن رئاسة الشاذلي بن جديد للجزائر رئيسا لديوانه ورقي إلى رتبة جنرال وعين وزيرا للداخلية. يقول الشاذلي إن العربي بلخير كان يحرض الجنود على المجاهدين مما خلق بلبلة داخل الفيلق الذي كان يعمل به ويتابع قائلا: "وقد حاصرت ذلك الفيلق وجردت جنوده من السلاح، وللأسف تم قتل جنديين. وقدمت بعد ذلك لجنة من العاصمة يرأسها شابو للتحقيق في ملابسات الحادث وأمرت بتنزيل رتب قادة الفيلق، ونزلت رتبة العربي بلخير من ملازم أول إلى ملازم" (الصفحة 194). يذكر الرئيس الشاذلي بن جديد، رحمه الله، العساكر الفارين من الجيش الفرنسي خلال السنوات الأخيرة للثورة في واحد وعشرين (21) موقعا من مذكراته التي صدرت مؤخرا.