الحلقة الحادية عشرة سد جسر بورومي وقصف الطيران لقواتنا حسم المعركة لصالح بومدين لا نبالغ إن كانت هذه الحلقة تمثل أكثر الحلقات طلبا من القراء قبل صدورها، لأن العقيد الطاهر زبيري يحكي بالتفصيل كيف حدثت المواجهة المسلحة بين فيالقه وقوات بومدين، ويوضح أسباب عدم نجاح ما عرف "بمحاولة الانقلاب على بومدين" والتي يسميها زبيري "حركة 14 ديسمبر 1967". عبيد رفض قتالنا "فانتحر" في ظروف غامضة عندما شرعت فيالقنا التابعة للناحية العسكرية الأولى في التقدم نحو البليدة، اتصل بومدين بقائد الناحية العسكرية الأولى، السعيد عبيد، هاتفيا وقال له بصوت ساخط وزاجر: كيف تتحرك الفيالق متمردة علينا ولا تبعث فيالق لصدّها. فرد السعيد عبيد مبرّرا موقفه: أعطيت الأمر للفيالق (المتمردة) للبقاء في أماكنها لكنها لا تنفذ أوامري، فكيف أبعث بالجيش ليقاتل بعضه بعضا. * وأضاف محاولا إقناع بومدين تجنيب الجيش الانقسام والاقتتال: * حبذا لو نبحث عن حل آخر. * كاد بومدين يصاب بالجنون وهو يسمع عن "حل آخر" وهو يري هيبته وسلطته ومستقبله السياسي والعسكري على المحك، فرد على السعيد عبيد بحدة: * أنت مسؤول ناحية "ولَّ ز.م.ر". * وأقفل في وجهه الخط، ولم يطل الأمر حتى أرسل بومدين اثنين من أكفأ "الضباط الفارين من الجيش الفرنسي" لتولي قيادة الناحية العسكرية الأولى بدلا من السعيد عبيد للتصدي لقواتنا، وكان الأمر يتعلق بكل من الرائدين زرقيني وهوفمان. * وفي فجر يوم 15 ديسمبر 1967 سمعنا بانتحار الرائد السعيد عبيد، دون أن نتأكد من حقيقة ما حصل بالضبط، رغم أنني استغربت الأمر، فمن خلال معرفتي الدقيقة بشخصية السعيد عبيد وتشبثه بالحياة وبطموحه القوي لا يمكنني في الظروف العادية أن أخلص إلى أنه يمكن أن ينتحر. * المواجهة الحاسمة في العفرون: * جو بارد وأمطار غزيرة وسحب داكنة تنذر باقتراب المواجهة في ذلك الشتاء الرمضاني القاسي، عندما وصلت أولى فلول القوات الموالية لنا إلى جسر بورومي على الساعة الثانية من فجر يوم الخميس 14 ديسمبر 1967، وكان الفيلق الميكانيكي للملازم عبد السلام مباركية القادم من مدينة مليانة بعين الدفلى أول الواصلين تلاه الفيلق المدرع للنقيب العياشي حواسنية القادم من الشلف وكان فيلق المشاة بقيادة النقيب معمر قارة القادم من المدية آخر الواصلين بعد أن أخذ طريقا طويلة عبر مليانة ثم العفرون ولم يصل إلا بعد أن أشرقت الشمس في حدود الساعة السادسة والنصف صباحا. * كان فجرا حالك الظلام والسماء تمطر بغزارة ومياه الوادي تتدفق بقوة، والأرض من حول جسر بورومي كلها فلاحية حولتها الأمطار إلى كتلة كبيرة من الأوحال التي تغوص فيها أرجل الراجلين وتعلق فيها عجلات السيارات ويصعب السير فيها حتى على الآليات المجنزرة، لكن الآتي أعظم. * تجمعت الفيالق الثلاثة ما بين مدينة العفرون غربا وجسر بورومي شرقا وكانت تضم نحو 1500 مقاتل ونحو 30 دبابة وعربة مدرعة، وعندما أرادت قواتنا تجاوز الجسر فوجئت بتكدس السيارات والشاحنات المدنية على طوله كسدادة ميكانيكية بشكل يستحيل على قواتنا تجاوزه، خاصة وأن قوات الدرك والوحدات العسكرية الموالية لبومدين بقيادة كل من زرقيني وهوفمان كانت متربصة بنا على الطرف الآخر من الجسر، ولم يكن بالإمكان عبور وادي بورومي الهادر بمياه الأمطار ولا اختراق كتل الوحل التي شكلت عائقا طبيعيا آخر أمام تقدمنا. * كنا في وضعية حرجة لا نحسد عليها، ولم نكن نتوقع أن يلجأ بومدين إلى هذا التكتيك لمجابهتنا، وحينها طلب زرقيني مقابلة الرائد عمار ملاح فوافق هذا الأخير معتقدا أنه سيقابل الرائد السعيد عبيد لكنه عندما قابل أحد الضباط الفارين من الجيش الفرنسي رفض أي حديث معه وقال له كلاما قاسيا، ورد عليه الآخر بالمثل. * لم يكن يفصلنا عن مدينة البليدة سوى 10 كيلومترات فقط، وقوات بومدين لم تكن كبيرة حينها، إلا أن السيارات والشاحنات المكدسة على الجسر جعلتنا في حيرة من أمرنا بعدما فشلت كل المحاولات لتجاوز الجسر، ورغم حدوث اشتباكات مع الجيش النظامي الموالي لبومدين إلا أنها كانت مواجهات محدودة. * كتائب المشاة الموالية لنا كان بإمكانها بسهولة العبور إلى الطرف الآخر من الوادي والتقدم إلى البليدة لكن ذلك لم يكن ممكنا بدون مرافقة الدبابات والمدرعات لهم من أجل إسنادهم من الخلف، لذلك بقيت قوات المشاة قريبة من الفيلق المدرع على مسافة لا تتجاوز ربع ساعة مشيا على الأقدام. * أما قوات بومدين فكانت من الشباب الحديث التجنيد أو ما يسمون بالمارسيين الذين التحقوا بجيش التحرير بكثافة بعد إعلان وقف إطلاق النار مع الجيش الفرنسي في 19 مارس 1962 بالإضافة إلى قوات الدرك الوطني، بينما كان معظم رجالنا من المجاهدين الذين عركتهم حرب التحرير طيلة سنوات، مما دفعنا إلى ترك قوات احتياطية في مدينة العفرون ولم نشركها في هذه الاشتباكات لعدم الحاجة إليها، وعلى سبيل المثال ففيلق المشاة الذي كان يضم أربع كتائب من بينها كتيبة إسناد مدفعي لم تشترك في القتال سوى الكتيبة الأولى فقط، وبقيت ثلاث كتائب خارج دائرة المعركة. * طيارون روس يدخلون المعركة * بعد ساعات من الاشتباكات اتسعت رقعة المواجهات لتشمل كامل المنطقة الممتدة من موزاية غربا إلى غاية العفرون شرقا، واستعملت في هذه المواجهات الأسلحة الخفيفة والثقيلة وتبادل الطرفان النار والقصف بالقذائف، بشكل متوازن دون أن تتمكن قوات بومدين من السيطرة على الأماكن التي كنا متمركزين فيها رغم تدفق الدعم لها من مختلف الجهات. * وعلى الساعة العاشرة صباحا وبعد ساعات من المواجهات البرية تدخلت طائرات سوفياتية الصنع من نوع "ميغ15" و"ميغ17" يقودها طيارون روس كانوا مكلفين بتدريب الطيارين الجزائريين وقاموا بقصف قواتنا بشكل عشوائي إلى درجة أنهم أصابوا مدنيين وحتى القوات الموالية لبومدين تعرّضت للقصف عن طريق الخطإ، وأدى تدخل سلاح الطيران لترجيح الكفة لصالح القوات الموالية لبومدين، ومع ذلك استبسلت قواتنا في القتال، فقد كان رجالنا متعودين على التعامل مع الطيران المعادي خلال حرب التحرير حيث لم يصب أي جندي من المشاة، إلا أن الضرر الأكبر وقع على الفيلق المدرع، حيث دمرت 9 دبابات وقتل العديد من جنودنا في هذه المواجهات. * وفي المساء اشتد القتال وأصبح أكثر ضراوة، خاصة مع تدخل القوات المحمولة جوا، والتي كانت طائرات الهيلكوبتر تنقلها إلى ميدان المعركة، سمعنا أنها من القوات الخاصة في دلس حيث هاجمتنا من الجنوب الشرقي، وتلاحمت قواتهم معنا في الغابة الواقعة بين العفرون وموزاية والتي تتميز بطابعها الجبلي الوعر. * وبعد أن أسدل الليل ستاره توقفت المعارك وتراجعت قواتنا إلى ضواحي مدينة العفرون، فتوجهت ليلا إلى العفرون رفقة سائقي المخلص ومعنا لخضر بورقعة عبر طرق ملتفة لأطلع على وضعية رجالي بعد هذه المواجهة غير المتكافئة، فوجدت رجالي قد تضعضعت وتشتتت صفوفهم وانهارت معنوياتهم، واعتقل الكثير منهم وتم تطويق من تبقى منهم. * فقابلت الرائد عمار ملاح وقادة الفيالق لاستعراض الوضع، فقدم لي ملاح تقريرا شفويا عن سريان المعارك وسبب إخفاق قواتنا في الوصول إلى هدفها في البليدة، فأرجع ذلك إلى سد قوات بومدين لجسر بورومي بالسيارات وتدخل الطائرات الحربية التي قصفت قواتنا، بالإضافة إلى عدم وصول الذخيرة ونفاد الوقود والبنزين من الدبابات والمدرعات التي استهلكت مخزونها في طريقها من الشلف إلى العفرون، وكان مسؤول الوسائل والذخيرة ضابط يدعى بوجادة وهو صهر الرائد عبد القادر شابو الأمين العام لوزارة الدفاع لذلك منع عنا الذخيرة. * وقد تفقدت الفيلق المدرع الذي كان يمثل قوتنا الضاربة فوجدت أنه كان أكثر الفيالق تضررا من القصف المدفعي والجوي وأخبرني الملازم العياشي حواسنية، قائد الفيلق، أن 9 رجال من فيلقه قتلوا خلال هذه المعركة. * كان الوضع الميداني صعبا وإن لم يكن كارثيا، وكان بإمكاننا مواصلة القتال لكن ذلك كان سيؤدي إلى مزيد من إزهاق أرواح الجنود والضباط في الجانبين، لذلك أمرت القوات أن تقترب من مدينة حمام ريغة التي يوجد بها مستودع للسلاح ثم التحصن بالجبال وانتظار الأوامر. * كنت أتوقع أن يصلني المدد في صبيحة الغد من قادة النواحي العسكرية وخاصة محمد صالح يحياوي والعقيد عباس وعبد الرحمان بن سالم وربما الشاذلي بن جديد وخالد نزار، وتوقعت كما كان مخططا أن تتفجر المظاهرات والاحتجاجات الشعبية المنددة بحكم بومدين في العاصمة وغيرها من المدن مما يعطينا فرصا أكثر للضغط على بومدين من أجل الجلوس إلينا للتفاوض بشأن القضايا المختلف بشأنها خاصة ما تعلق بتقليص صلاحياته. * الاستحواذ على مستودع للأسلحة والسيطرة على مدرسة عسكرية * ليلة 14 ديسمبر 1967 كانت صعبة للغاية، حيث جرت الأمور بعكس ما كنا نتوقع، خاصة بعد تدخل الطائرات الحربية التي يقودها الطيارون الروس، ونفاد الوقود من الدبابات والآليات العسكرية، ولحسن الحظ كانت هناك ثكنة عسكرية في منطقة حمام ريغة منذ العهد الاستعماري وبعد الاستقلال جعل منها الجيش الوطني الشعبي مستودعا للأسلحة والذخائر والوقود، فتحرك قطاع من قواتنا واستحوذ على مستودع السلاح دون مقاومة تذكر مما رفع معنويات جنودنا وأعاد الحياة لمحركات آلياتنا العسكرية. * خبر سار آخر كان في انتظارنا بعد أن بلغنا أن اثنين من ضباطنا في المدرسة العسكرية للدفاع الجوي بالرغاية شرقي العاصمة استطاعا السيطرة على المدرسة التي تحتوي على صواريخ مضادة للطائرات من نوع "أرض جو" وصواريخ أخرى من نوع "أرض أرض". * وتمكن كل من صالح قمعون وعمارة نويوة وهما من ضباطنا الفاعلين من إقناع ضباط وجنود المدرسة العسكرية للدفاع المضاد للطيران "دي سي أ" بدعم حركتنا، رغم أن مسؤول المدرسة عبد النور بكا وهو من الضباط الفارين من الجيش الفرنسي كان من المؤيدين لبومدين ولكن الأمور تجاوزته، واستطاع قمعون ونويوة توقيفه وسجنه والسيطرة على المدرسة العسكرية. * ورغم أن المدرسة العسكرية للدفاع الجوي كانت بعيدة نسبيا عن ساحة المعارك، إلا أن إعلان ضباطها انضمامهم إلى حركتنا كان له الأثر القوي على معنوياتنا، وكنا نتوقع أن يحفز ذلك عدة قطاعات من الجيش للانضمام إلينا. * كما تمكنت قواتنا من الاستحواذ على قافلة سلاح وذخيرة ووقود كانت متوجهة إلى معسكر الجيش النظامي لكنها أخطأت طريقها ووقعت في أيدي رجالنا فكانت بمثابة انتصار آخر لقواتنا. * ورغم هذه الانتصارات الصغيرة إلا أن إخفاقنا في الوصول إلى البليدة جعل أمل انتصارنا على بومدين مرتبطا بمدى تحرك قادة النواحي العسكرية والفعاليات الشعبية لدعم حركتنا، إلا أنه لا هذا ولا ذاك حصل، بل إن الوحدات العسكرية في الأوراس وبقية القادة العسكريين الذين وعدوني بالتحرك بقواتهم لدعمي تراجعوا عن موقفهم بعد واقعة العفرون. * أما الرائد الشاذلي بن جديد فدفع بفيلقين من قواته إلى ميدان المعركة من الجهة الغربية للعفرون، أي خلف قواتنا تماما، مما جعلنا محاصرين شرقا وغربا، وكذلك فعل الرائد عبد الله بلهوشات الذي كان على رأس الناحية العسكرية الخامسة (قسنطينة) حيث أرسل فيلقين من الرجال عبر الطائرات التي حطت في المطار العسكري لبوفاريك في اليوم الثاني من المواجهة لمؤازرة قوات بومدين. * ولم يكن بومدين في هذا العام يحظى بشعبية كبيرة بعد انقلابه على الرئيس أحمد بن بله، مما جعل قطاعات واسعة من أنصار الرئيس المخلوع ينقمون عليه، فضلا عن ازدياد عدد المعارضين لبومدين داخل صفوف الجيش بسبب ميله للحكم الفردي واستعانته كثيرا بالضباط الفارين من الجيش الفرنسي على حساب قدماء ضباط جيش التحرير، ناهيك عن المعارضين السياسيين التاريخيين أمثال حسين آيت أحمد، ومحمد بوضياف وأحمد محساس وكريم بلقاسم، لذلك كنت آمل أن يؤدي ذلك إلى انقلاب الوضع على بومدين في فجر اليوم الموالي. * انسحاب قواتنا * في ليلة 14 ديسمبر قرر الملازم معمر قارة سحب فيلق المشاة من ميدان المعركة، بعد أن تيقن من استحالة نجاح حركتنا في مثل تلك الظروف، خاصة أن الفيالق الثلاثة لم تتمكن من تحقيق أولى أهدافنا في السيطرة على قيادة الناحية العسكرية الأولى في البليدة، كما أن الرائد عمار ملاح والذي كان مكلفا بالقيادة الميدانية لعملياتنا العسكرية لم يقدم لقادة الفيالق خطة واضحة حول توزيع كتائبنا في ميدان المعركة وكيفية الدفاع أو الهجوم في تلك الوضعية، خاصة بعد تضرر الفيلق المدرع بشكل كبير إثر القصف الجوي الذي استهدفه بشكل أساسي باعتباره القوة الضاربة لقواتنا. * وتوجه الملازم معمر قارة بكتائبه الأربعة التي لم يفقد منها أي فرد من رجاله إلى ثكنة القليعة (تابعة حاليا لولاية تيبازة)، فيما اتخذ سبيله باتجاه الشرق علّه يتمكن من الخروج من الجزائر واللجوء إلى إحدى الدول العربية في المشرق. * وفي فجر يوم 15 ديسمبر كانت قواتنا أو ما تبقّى منها محاصرة بالكامل وإن لم تقع أي اشتباكات جديدة، كما بلغنا خبر انتحار (أو اغتيال) الرائد سعيد عبيد قائد الناحية العسكرية الأولى مما قضى على آخر أمل في إمكانية الضغط على بومدين من أجل التفاوض معنا، خاصة بعدما خذلنا قادة النواحي العسكرية الأخرى وكذا الاتحاد العام للعمال الجزائريين، ولم يمارس خصوم بومدين على كثرتهم أي ضغط شعبي وسياسي مؤثر على رئيس مجلس الثورة. * أما بالنسبة للخسائر البشرية خلال هذه المواجهة فقد ذكرت بعض المصادر أنها بلغت 30 قتيلا و130 جريحا، لكن ليس لدي أرقام دقيقة حول الرقم الحقيقي لضحايا هذه المواجهات، ولكني أذكر أن العياشي حواسنية قائد الفيلق المدرع أكد لي أننا لم نفقد خلال هذه المعركة سوى 9 رجال، غير أني لا أملك أرقاما عن عدد القتلى في صفوف القوات النظامية أو في صفوف المدنيين الذين قصفتهم الطائرات الحربية. * خاتمة القول * إن حركة 14 ديسمبر 1967 لم تكن يوما "محاولة انقلاب عسكري" كما يعتقد الكثيرون، لأننا ببساطة لم نكن نسعى للإطاحة ببومدين من السلطة، وإنما كان هدفنا الأساسي هو الضغط على بومدين لإعادة الشرعية للبلاد بعد تملصه من عهوده بمجرد نجاح التصحيح الثوري الذي قدته معه ضد بن بله في 19 جوان 1965، قبل أن أكتشف أن بومدين يحاول استنساخ نفس الحكم الفردي الذي ميز عهد بن بله، وهذا ما صدمنا لأننا قضينا على "ديكتاتور" فوجدنا أننا لم نقم سوى باستبداله "بدكتاتور" آخر، وهذا ما يتنافى مع مبدأ "القيادة الجماعية" الذي سنّه المفجّرون الأوائل للثورة (بن بولعيد وأصحابه). * لم تكن معركتنا الحقيقية ضد بومدين بقدر ما كانت ضد الضباط الفارين من الجيش الفرنسي الذين شكلوا نواة صلبة داخل الجيش وأصبح نفوذهم يزداد من سنة إلى أخرى على حساب قدماء جيش التحرير والضباط المتخرجين من المدارس العسكرية بالشرق بسبب اعتماد بومدين عليهم في حروبه ضد قادة الولايات التاريخية الرابعة (العقيد يوسف الخطيب) والثالثة )العقيد محند أولحاج) والثانية (العقيد صالح بوبنيدر) والسادسة (العقيد شعباني) وأخيرا الأولى (العقيد الطاهر زبيري)، ولم تبق سوى الولاية الخامسة لم تدخل في صراع مع بومدين لأنه كان أحد قادتها التاريخين. * بعد معركة العفرون هيمن العقيد هواري بومدين على زمام السلطة بشكل تام ولم يعد هناك من يشكل تهديدا حقيقيا على سلطته المطلقة، وأحاط نفسه بجماعة وجدة التي شكلت الدائرة الثانية للسلطة الجديدة وارتقى الضباط الفارون من الجيش الفرنسي إلى مناصب أكثر حساسية في الجيش بعد أن لعبوا الدور الأساسي في الحفاظ على سلطة بومدين المطلقة وأصبحوا يشكلون الدائرة الثالثة للسلطة مما جعلهم يتطلعون للعب أدوار سياسية من وراء ستار وهو الأمر الذي طالما حذر منه العقيد شعباني والكثير من القيادات السياسية والعسكرية في مؤتمر الحزب عام 1964 لكن بومدين أكد حينها أن دورهم سيقتصر فقط على جوانب فنية داخل الجيش، لكن بعد سنوات ليست طويلة سيطر الضباط الفارون من الجيش الفرنسي على العديد من قنوات صناعة القرار في البلاد خاصة بعد وفاة بومدين في ديسمبر 1978. * نفوذ قدماء جيش التحرير ودورهم في صناعة القرار بدأ في التقلص بعد فشل حركة 14 ديسمبر في تحقيق أهدافها، خاصة وأننا فقدنا منصبين حساسين جدا في الجيش وهما قيادة أركان الجيش الوطني الشعبي وقيادة الناحية العسكرية الأولى، ومع ذلك بقيت معظم قيادات النواحي العسكرية بيد قدماء جيش التحرير مثل يحياوي والشاذلي بالإضافة إلى نائبي قائد الأركان العقيد عباس (توفي بعد فترة قصيرة من انتحار السعيد عبيد) والرائد عبد الرحمان بن سالم.