شكرا هولاند، لأنك أعدت لنا مفاتيح مدينتنا الصدئة، حتى وإن لم نطالب بها، بل طالبنا بأشياء أخرى؛ طالبنا باعتراف واعتذار، وطالبنا بكنوز الداي حسين التي نقلتها سفن شارل العاشر إلى فرنسا. طالبنا بإدانة منكم لهذا الماضي الاستعماري ولجرائمه. لكن لا بأس، فالآن سندخل بيوتنا من أبوابها بعدما أعيدت لنا المفاتيح، ولم نكن ندري أننا اقتحمناها ودخلناها بطريقة غير شرعية منذ خمسين سنة؟! طبعا هولاند لن يعترف بجرائم الحقبة الاستعمارية، فقد أعفاه مسؤولونا من هذا الثقل الذي سيزعزع مكانته كرئيس لفرنسا ويقلب ضده الرأي العام. فهذه مخاطرة كبيرة لن يخاطر بها هذا الرئيس الفاقد للشعبية في بلاده. فالوزير الأول عبد المالك سلال قال إننا نترك التاريخ للمؤرخين، وهو نفس القول الذي ردده طوال خمس سنوات نيكولا ساركوزي الذي تمسك بالقانون الممجد للاستعمار. فهل سيقنع سلال هولاند بترك التاريخ للمؤرخين، حتى نتمكن من قلب صفحة الماضي؟ هل سيقنعه بألا ينظر إلى الجزائر على أنها حديقة بلاده الخلفية ومخزون الذخيرة الذي يأتي رؤساء فرنسا ليغرفوا منه كلما احتاجوا، وكلما واجهت بلادهم الأزمات؟ أريد أن أنظر إلى هذه الزيارة بإيجابية مثلما يفعل الجميع هنا، وأريح قلبي من النكد، ففرنسا هي فقط على الضفة الأخرى من البحر، وهي تقع بالنسبة إلينا موقع الأنف من الوجه. أريد أن نبني فعلا شراكة حقيقية معها ومع ألمانيا، ومع بلدان أخرى، وأن تعاملنا فرنسا كشريك وكدولة محورية في العالم العربي وفي إفريقيا والمغرب العربي. لكن لا شيء يدل على أن نظرة هولاند إلينا ستكون مختلفة عن نظرة سابقيه. فما زلنا بالنسبة إليه وإلى الكثير من الفرنسيين، مجرد مستعمرة سابقة، لم يشف الكثير من الفرنسيين لخسارتها، حتى وإن لم يخسروها أبدا، فنحن أبعد من أن نكون حققنا حرية اقتصادية، واستقلال قراراتنا السيادية بعيدا عن فرنسا. يد فرنسا ما زالت تعبث بجسد الجزائر في السر والعلن. ثم هذه الزيارة التي كثر الرهان بشأنها هنا وفي الضفة الأخرى، وتفاءل الجميع أنها ستفتح صفحة جديدة، وهو نفس الكلام الذي تردد مع كل زيارة لرئيس فرنسي، منذ عهد الرئيس الأسبق جيسكار ديستان، ولم تفتح الصفحة الجديدة، فكلما جاء رئيس جديد لفرنسا أعدنا العداد إلى الصفر، وكأن اتفاقيات إيفيان اللعينة التي رهنت الاستقلال وقعت أمس فقط. رهان كبير على نجاح الزيارة، والأكيد أنها ستحقق نجاحا للجانب الفرنسي، وسيعود هولاند محملا بالغنائم مثلما عادت سفن شارل العاشر محملة بكنوز القصبة، أما هنا فتتساقط الوعود ورقة ورقة مع آخر أوراق الخريف. فحتى نكتة مصنع رونو ستسقط في النسيان لأنها مجرد ذر رماد في العيون، حتى لا نقول أن هولاند لم يحمل لنا شيئا. زيارة هولاند فاشلة من أولها، والدليل أنها تحمل في طياتها بذور فشلها، بمجرد طرح ملف الحركى، وقضية تيبحيرين على طاولة النقاش، فمجرد طرح هذه القضايا يعني أن لا شيء تغير في النوايا الفرنسية!!