رصاصتان غادرتان كانت كافيتين لزعزعة الوضع بتونس، وضع كان غير محتاج في الأساس إلى أي توتر زائد، حيث بلغ سيل التوترات الاجتماعية، السياسية والاقتصادية الزبى. صراع محتدم بين الائتلاف الرئاسي والمعارضة حول اتجاه التغييرات في ظل حكومة لإسلاميين وبين مكونات الائتلاف أيضا، سيما في موضوع التعديل الحكومي فيما يخص وزارة العدل والخارجية التي يحرص كلا من حزب المؤتمر من أجل الجمهورية أو التكتل من أجل العمل والحريات على جعل الوزارتين تحت قبعة مستقلة، دون أن ننسى صعود نجم السلفيين الراديكاليين، وتزايد عنفهم اللفظي، المعنوي والجسدي، في ظل سلبية غير مدروسة لأصحاب الحكام الجدد الذين لم يدركوا الخطر الذي يشكله هؤلاء إلا مؤخرا ومتأخرا. في هذه الأجواء القاتمة، قتل صباح الأربعاء 6 فبراير 2013، السيد شكري بلعيد، الأمين العام لحركة الوطنيين الديمقراطيين ذات الاتجاه اليساري الراديكالي، والتي تعد لبنة أساسية في تركيب الجبهة الشعبية أهم جسم معارض لهيمنة الإسلاميين على الحكم والحكومة بعد سقوط نظام بن علي في 14 يناير 2011 بعد ثورة شعبية عارمة أدت إلى فراره إلى المملكة العربية السعودية، الرجل كان يرى في الحركات الإسلامية خطرا على تونس وعلى الديمقراطية التونسية الناشئة، ولذلك اتهم 10 ساعات قبل اغتياله في تصريح للإذاعة ”الكلمة” التونسية المحلية، حركة النهضة الإسلامية ”بتشريع الاغتيال السياسي بالنظر إلى تزايد الاعتداءات التي تشنها رابطات حماية الثورة”، التي وصفها بأنها الذراع العسكري لحركة النهضة، ومن قبل ذلك يوم، الأحد الماضي، صرّح الفقيد لإذاعة مونتي كارلو الدولية: ”ميليشيات من حكومة النهضة والسلفيين تعرض تونس للخطر من خلال كم الأفواه والوجوه”. اغتيال شكري بلعيد هو ثاني اغتيال يقع بتونس في عهد الربيع العربي في أقل من أربعة أشهر، بعد اغتيال الناشط في صفوف ”نداء تونس” المعارضة، السيد محمد لطفي نقز بمدينة تطاوين في أقصى الجنوب التونسي، بعد مناوشات بين أنصار الحكومة وأنصار المعارضة، ويعد ظهور شبح الاغتيالات أكبر تحد تشهده تونس في عهدها الجديد، ومؤشرا خطيرا على تدهور الأوضاع هنالك. لو لم يتم اغتيال شكري بلعيد، لصنفت تصريحاته في خانة الحروب الباردة، الادعاءات الباطلة والإشاعات المغرضة، ولكن بعد عملية الاغتيال، إراقة الدم وإزهاق النفس التي حرم الله إزهاقها، لابد من الرجوع إليها والتدقيق فيها لعلنا نجد ت فسيرا موضوعيا أو إشارات للأيادي التي تريد بالاغتيال والتصفية تكريسا لسياسة الفوضى، المدمرة لتونس وشعبها العزيز. من يقف وراء هذا الاغتيال؟ أو من المستفيد المباشر من هذا الاغتيال، الذي أجمع السياسيون التونسيون حكومة ومعارضة، موالون ومضادون على وصفه بالجبان والإرهابي؟ يتبين من تحليل الواقع التونسي المضطرب، أن المستفدين من هذه الجريمة والذين يعتلون قائمة المشتبه بهم هم كالآتي: 1) السلفيون الجهاديون: وهم المشتبه بهم الأساسيين في هذه الجريمة، فهم لا يخفون تعاطفهم المطلق مع تنظيم القاعدة الإرهابي، ولا يتسترون من حمل أفكاره وعمليات هدم الأضرحة والقبور، لا تعد إلا المشاهد العلنية لتنامي هذا التيار وانزلاقه الإرهابي البين، للتذكير 11 إرهابيا تونسيا كانوا في عداد المنفذين لعملية تغنتورين الإرهابية، سيف بن الحسين أو أبو عياض من بين القياديين البارزين لهذا التيار والذي هو جار البحث عنه من طرف العدالة التونسية لاشتباه مشاركته في عملية اغتيال السفير الأمريكي ببنغازي الليبية، ليبيا التي تكون قد تحولت إلى ”ألدورادو” للجماعات الإرهابية وتجارة السلاح، وهنا لا بد من الإشارة للسلبية السياسية الآثمة لحكومة النهضة اتجاه هذا التيار سلبية لم يحملها أصحاب هذا التيار إلا محمل اليقين بضعف الحكومة. 2) بقايا النظام البائد: لا يمكن أن نستثني بقايا النظام البائد وأزلامه من التخطيط للانتقام من الثورة والثوار، بنشر الفوضى والشك في صفوف الشعب التونسي والخروج في أجواء الفوضى من غير محاسبة أو مساءلة وإظهار خطأ الثورة وصواب عهدهم الغابر في استقرار الأوضاع الأمنية والبحبوحة الاقتصادية المريحة. 3) متطرفون من حركة النهضة: لا يمكن لأي حركة أن تضبط مناضليها تماما في ظل العنف اللفظي السياسي، الذي لا يمكن إلا أن يتحول إلى عنف جسدي، ما وقع من قبل بمدينة تيطاوين من اشتباكات بين مناضلين من النهضة وحلفائهم و ناضلين من المعارضة التونسية بالأيادي والأسلحة البيضاء. 4) طابور خارجي: كما أنه لا يمكن أن نقلل من فرضية ضلوع أياد خارجية معادية للشعب التونسي وللأمة العربية جمعاء، من حيث نشر القلاقل والفتن في أوساط جميع التيارات والطبقات وإراقة الدماء ونشر الذعر، كما أشار لذلك الغنوشي حيث قال: ”تونس مستهدفة وهناك من يريد جر البلاد إلى حمام دم”، كما قال السيد عبد الرؤوف العيادي أمين عام حركة الوفاء للثورة: ”أطراف دولية ومحلية تسعى لإدخال تونس في دوامة عنف لإفشال الثورة عبر الدفع بها نحو الفراغ”. على كل حال، تونس بحاجة لجميع أبنائها، تياراتها وطبقاتها، اليوم، للوقوف أمام المشاريع السوداوية، ومن الأيادي الحمراء بأن تتلطخ مجددا بدماء أي تونسي، لا بد من ميثاق شرف ينظم له الجميع ينبذ العنف كل العنف، ويحارب، كما يبقى من الضروري محاربة التيار الديني المتطرف العنيف، من كل النواحي الاجتماعية والسياسية، الأمنية والدينية، وأخذ خطره على محمل الجد والجدية، يبدو في الأفق بصيص أمل وإشارات انفراج، الرجاء أن لا يترك التونسيون جميعا فرصة رؤية بلدهم في الطلائع على جميع المستويات. إعلان السيد الجبالي رئيس الحكومة التونسية عن حكومة تكنوقراط كلية، والتعهد بعدم مشاركة أي عضو فيها في الانتخابات المقبلة رغم تأخرها، قد تكون خطوة في الاتجاه الصحيح دون أن ننسى ضرورة إشراك الجميع في العملية السياسية في هذه الفترة الحساسة من تاريخ تونس الحبيبة. عبد الكريم رضا بن يخلف /كاتب صحفي