تحدث خبراء في الهندسة المعمارية في منتدى الشروق عن واقع العمران في الجزائر، وكيف أصبحت الحظيرة الوطنية للسكن مجرد بناءات فوضوية وتجمعات سكانية ضخمة دون هوية، لم تحترم فيها أدنى مقاييس التعمير، مما يهدّد ولايات بأكملها بالدمار في حال حدوث زلزال قوي، وكشف المهندسون عن وجود مليون ونصف مليون سكن شاغر وأزيد من مليون سكن فوضوي في الجزائر، في ظل عجز الدولة عن حل أزمة السكن التي تحوّلت إلى أرقام بعيدة عن الواقع. وفي هذا الإطار قال عبد الحميد بوداود وهو دكتور في الهندسة متخرج من جامعة إيطاليا وخبير معتمد لدى محكمة الجزائر ورئيس المجمع الوطني لخبراء المهندسين، أنه قام بتحقيق معمق مع عدد كبير من المهندسين والإداريين، تبين من خلاله تواجد أزيد من مليون ونصف مليون سكن شاغر في الجزائر استغلها أصحابها للبزنسة على حساب المواطن البسيط، الذي لازال يقطن القصدير، وأضاف أن الإشكال القائم في الجزائر يعود إلى الهندسة المعمارية الغائبة في أغلب المشاريع الكبرى نتيجة تسلط الإدارة وعدم فتح الحرية أمام إبداعات المهندسين، وسياسة التقشف التي تتبعها دواوين الترقية والمؤسسات الكبرى صاحبة المشاريع السكنية في اعتماد العروض المقدمة من طرف مكاتب الهندسة العمومية بدلا من مكاتب الهندسة الخاصة، واختيار العروض الأقل تكلفة وليست الأحسن إنجازا، مضيفا أن القرار ما بين الوزارات الصادر في سنة 1988 يحدد تكاليف الهندسة في أي مشروع بمعدل 3 بالمائة من التكلفة الإجمالية، وينص القانون 70/49 على أن كل مشاريع البناء تعود إلى المهندس بالدرجة الأولى، وهو ما ليس محترما في الجزائر بسبب البيروقراطية والتأخر في منح رخص البناء في أجل يزيد عن ثلاث سنوات، وأضاف السيد بوداود أن الدولة فشلت في تسوية وضعية مليون و200 ألف سكن فوضوي تم بناؤها بدون رخصة ولا مخطط، وعلى أراض بدون عقود ملكية، تم توزيعها بموجب قرارات فقط، فالقانون المتعلق بتسوية ومعالجة التشوهات العمرانية الصادر سنة 2008 حسبه حدد أجال التسوية بخمس سنوات، ابتداء من تاريخ الصدور، غير أن اللجان المختصة في دارسة الملفات لم تبدأ العمل إلا سنة 2010 . 12 ألف مهندس معماري في الجزائر يعانون التهميش وتساءل الخبير عن الأعداد الهائلة من المهندسين المعماريين الذين يتخرجون سنويا من الجامعات دون تكوين ولا خبرة، حيث يحمل 12 ألف مهندس الشهادة، وهو رقم كبير يفترض أن يكون لكل بلدية خمسة مهندسين على الأقل، لكن رؤساء البلديات لا يتعاملون مع المهندسين بصفة التعاقد ولا يوظفون مستشارين، على الرغم من أن البلدية يعود لها الأصل في إعداد إحصاء للأراضي، والسكنات وحاجات المواطنين والتركيبة الاجتماعية والسكنات الهشة من أجل توزيع عادل للمشاريع السكنية يحترم كل المتغيرات، فلو كان هناك مستشارين في الهندسة المعمارية لما تم بناء سكنات اجتماعية في أحياء راقية كحيدرة وسعيد حمدين والقبة بتكلفة 18 مليون سنتيم للمتر الربع، ليعاد بيعها بالملايير من طرف المستفيدين منها. في حين أن بناء المتر المربع في باقي الأحياء الشعبية لا يتعدى 70 ألف فقط. المهندس في الجزائر موظف عند الإدارة والمقاول وذكر السيد بوداود أن الجزائر كان بإمكانها كسب معركة العمران مع التقسيم الإداري لسنة 84 من خلال تحديد الحاجيات والخصوصيات الاجتماعية وتحديد العقار الموجه للعمران والتسريع بتسوية وضعيات الأراضي، لكنها خسرت المعركة، وتتعامل الإدارة حسب الخبراء بنوع من التسلط، مما جعل المهندس يعمل تحت سلطة المقاول وصاحب المشروع كموظف وليس كمبدع، كما لا يحصل على مستحقاته المالية في الآجال المحددة بأربعين يوما، وتماطل الإدارة في دفع أموال المهندسين على مدار أشهر، مما أوقع كل مكاتب الدراسات دون استثناء في اختناق مالي بسبب الديون لدى الدولة. مناقصة المسجد الأعظم تمت في الخفاء أكد عبد الحميد بوداود الخبير في الهندسة أن المناقصة أو المسابقة الدولية التي أطلقتها الجزائر لإنجاز المسجد الأعظم تمت في الخفاء ودون علم أغلب مكاتب الدراسات الهندسية، كما أعاب على المشروع إقامته قرب وادي الحراش وفي مكان غير لائق، وقال بأن مسيرته المهنية حافلة بالإنجازات التي حققها، وهو من فاز بمسابقة إنجاز مدينة الشلف ومدينة ''مدغاسن'' بولاية باتنة سنة 1994 كما فاز بمسابقة إنجاز مدينة ''بوغزول'' في نفس السنة، والتي منحت لكوريا الجنوبية فيما بعد، غير أن هذه المدن الجديدة لم تنجز لحد الآن منذ حوالي 20 عاما، وقال إن أجمل إنجاز قام به في حياته 120 مسكن في المحمدية لم يتزعزع ولو بهزة بسيطة في زلزال بومرداس ولم يتضرر، وقال ''لقد كنت أول من وصل إلى المشروع في اليوم الموالي للزلزال، ووجدت السكان في انتظاري". ويراود المهندس حلما يحارب من أجله، وهو تخليد اسم المهندس على المشاريع العملاقة، ففي الجزائر أكثر من 12 ألف مهندس لا يزالوا مجهولين لحد الآن، وتحدث بوداود أيضا عن سياسة المحاباة لبعض المكاتب الدراسية ''الميتة'' على حساب خبرة مكاتب أخرى بسبب ''القهوة''، ويقصد بها ''التشيبة''، التي تعد عاملا أساسيا في منح المشاريع أو دفع مستحقات المهندسين، ففي أغلب الأحيان لا يحصل المهندس على حقوقه المادية، إلا إذا دفع لبعض الجهات التي تعجل له بالإجراءات، مما جعله يتخلى عن الكثير من المشاريع ومستحقاته، لأنه يرفض هذا المبدأ في التعامل بشكل لا نقاش فيه. زلزال بقوة 8 درجات قادر على تدمير العاصمة بالكامل أكد السيد علي شعواطي مدير مكتب دراسات ''الجميل'' والمتحصل على جائزة الدولة للهندسة أن زلزال بقوة 8 درجات قادر على تدمير العاصمة بالكامل، مما يستدعي ضرورة وضع مخطط عاجل لمراقبة كل البنايات التي أنجزت قبل سنة 2003، باعتبار الغالبية منها غير مقاومة للزلازل، وهذا لعدم تكرار سيناريو زلزال الأصنام وزلزال بومرداس، واستغرب المتحدث لعدم التحرك العاجل للدولة من أجل إبعاد الهيآت الرسمية الحساسة عن العاصمة، التي تعد منطقة زلزالية بامتياز، وذلك لتفادي أي كارثة محتملة، قد تطال هذه البنايات التي تعد عصب الدولة، واقترح المتحدث ضرورة خلق آليات جديدة لمراقبة جميع البنايات على المستوى الوطني، خاصة تلك التي تحتوي تجمعات سكانية كبيرة، وذلك باستحداث دفتر صحي لكل عمارة يتضمن تاريخ بنائها وحالتها الحالية وصلاحيتها، وبالنسبة لعمليات الترميم التي طالت الكثير من البنايات بعد زلزال 2003 قال المتحدث إنها شكلية اهتمت بالجانب الخارجي دون أن تتطرق لترميم وتدعيم الأساس والأعمدة. المجمعات السكانية الكثيفة تسببت في ظواهر اجتماعية خطيرة قال المهندس علي شعواطي إن المجمعات السكانية الجديدة التي يزيد عدد السكنات بها عن الألف، ساهمت في بروز ظواهر اجتماعية خطيرة، عادة ما تسببت في مشادات وحروب شوارع راح ضحيتها الكثير من المواطنين، فالمجمع السكني الذي يضم 1500 شقة ورحل إليه مواطنون من أحياء مختلفة، يكون تربة خصبة للنزاعات العصبية بين الأحياء، وهذا ما حدث في الكثير من المجمعات السكنية، أين عجزت قوات الأمن على التدخل وتهدئة الأوضاع إلا بعد أيام طويلة، ولتفادي هذا الوضع، طالب المتحدث بالتخطيط لإنجاز أحياء صغيرة لا يزيد عدد سكناتها عن 300 سكن لتوفير مناخ مناسب لتسيير المساحات المشتركة بين السكان والحفاظ على البيئة والمحيط. وشدّد السيد علي شعواطي ضرورة غرس الثقافة الجمالية عند الأطفال بهدف الحفاظ على البيئة، وذلك باحترام المقاييس الجمالية للهندسة، والتي تمنح لكل مواطن مساحة 10 أمتار مربع من المساحات الخضراء. الإدارة ملزمة بمنح رخصة البناء للمواطن في 3 أشهر أرجع شعواطي الفوضى العمرانية التي تعيشها الجزائر إلى الإدارة التي لم تحسن التعامل مع المواطن، الذي لا يتحصل على رخصة البناء إلا بعد سنوات طويلة يكون فيها قد أكمل بيته وعمارته، في حين يلزم القانون الإدارة منح رخصة البناء للمواطن في آجال لا تتعدى ثلاثة أشهر، في حين تلجأ نفس الإدارة لمنح الرخصة لمشاريع عدل وبعض المشاريع الخاصة في ظرف أيام قليلة دون أي مراقبة، كما انتقد المتحدث غياب شرطة العمران وعدم استعانة البلديات والمصالح الولائية بالمهندسين في المخططات العمرانية التي باتت دون هوية، وأضاف المتحدث أن رخص البناء تمنح في بعض الأحيان دون استشارة المهندسين، خاصة في المناطق الفلاحية التي تغمرها المياه، وهذا ما يتسبب في كوارث عقارية عادة ما تخلف عشرات الضحايا بسبب عدم احترام القوانين الهندسية والعمرانية.