ارتفع منسوب التوتر في شبه الجزيرة الكورية مع إعلان الشمال أنه في حالة حرب مع الجنوب، وفتحت حرب الأعصاب الجديدة القديمة في شبه الجزيرة الكورية والصراع على النفوذ الدولي في منطقة آسيا المحيط الهادي الباب أمام الكثير من التأويلات وولدت العديد من ردود الأفعال التي تصب حتى في وعاء الأزمة السورية. ظهرت للعيان بؤرة توتر جديدة أخذت تستقطب اهتمام الدول الكبرى وتشد الإعلام إليها بعد أن صعدت كوريا الشمالية لهجة تهديداتها لجارتها الجنوبية وحليفتها أمريكا في الأسابيع الأخيرة، وصلت حد تهيئة صواريخ لضرب مواقع القوات الأمريكية المتواجدة على أراضي كوريا الجنوبية، على خلفية المناورات التي تقوم بها القوات الجوية الأمريكية-الكورية الجنوبية المشتركة التي حلقت في الأجواء الشمالية ورأت فيها بيونغ يانغ تهديدا صريحا لضربها، فبعد أن كثّفت كوريا الشمالية سلسلة تهديداته خرجت واشنطن عن صمتها وأعلنت استعدادها للتصدي لأي خطر يمس قواعدها العسكرية أينما كان موقعها.كما حذت طوكيو أمس حذوها وراحت تدرس إلى جانب الولاياتالمتحدةالأمريكية خطوة نشر طائرات استطلاع بدون طيار من طراز “غلوبال هوك” فوق بيونغ يانغ، لتعزيز المراقبة فوق كوريا الشمالية، حيث نقلت وكالة أنباء “كيودو” اليابانية عن المصادر قولها إنه تجري دراسة القاعدة الأمريكية في ميساوا بمقاطعة آوموري لاتخاذها كموقع لنشر هذه الطائرات، خاصة بعد أن تردد أن بيونغ يانغ نقلت صاروخا متوسط المدى إلى الساحل الشرقي في مواجهة اليابان، بالإضافة إلى إعلانها إعادة تشغيل مفاعل نووي يمكن أن ينتج مواد لصنع الأسلحة كتحد منها للاتفاقات الدولية. على الرغم من كل ما يتداول عبر وسائل الإعلام من تصريحات لمسؤولي كوريا الشمالية التي هدد رئيس نظامها الزعيم الشاب كيم جونغ أون بتوجيه ضربة نووية للولايات المتحدة والتصريحات المضادة لجارتها الجنوبية التي توعدت رئيستها بارك جون هاي برد عسكري قوي وسريع على أي استفزازات شمالية، ذهب الكثير من المحللين إلى التخفيف من حدة الصراع بين البلدين واصفين إياه بأنه لا يتعدى كونه حربا كلامية لا تصل حد اشتعال الحرب بين الجارتين، الأمر الذي يفتح الباب أمام احتمالات أخرى تشير إلى أن ما يدور بين الجارتين مجرد ترهات تعمل كبرى الدول على تأجيجها بهدف توجيه اهتمام الرأي العام العالمي إلى نقطة مغايرة عن البؤرة السورية التي طال الصراع داخلها، كما ترجح فرضية أخرى قد تضيف لمشهد الصراع السوري لوحة أخرى وهو خلق منطقة توتر جديدة في شبه الجزيرة تنشغل بها كبرى الدول المؤيدة لسوريا، روسيا الحليف التاريخي لبشار الأسد والصين، ومن ثم قطع الطريق أمام المد الداعم للنظام السوري في حربه الداخلية، وهو ما أكده موقف الخبير في مركز الدراسات الكورية التابع لمعهد الشرق الأقصى في أكاديمية العلوم الروسية الدكتور كيم ين أون الذي يرى أن تحركات الولاياتالمتحدة في المنطقة تهدف للحد من نفوذ الصين، مشيرا إلى أن الخروج الأمريكي المفاجئ من المنطقة سيخل بتوازن القوى، داعيا روسيا إلى لعب دور أكثر فعالية. ومهما اختلف الطرح يبقى الصراع بين الكوريتين يفرض نفسه على الساحة العالمية وعلى العلاقات بين الدول التي تربطها مصالح مشتركة مع الدولتين، كما أفرز الكثير من الانعكاسات وطرح العديد من ردود الأفعال احتياطا لما قد تجره الحرب المرتقبة إن صحت التهديدات المتبادلة بين الأطراف المعنية، حيث عمدت دول الاتحاد الأوروبي إلى دراسة سحب جزء من موظفي سفاراتها من بيونغ يانغ، بناء على اقتراح هذه الأخيرة على السفارات الأجنبية بإجلاء موظفيها من كوريا الشمالية وتحذيرها بأنها لن تستطيع ضمان أمن السفارات الأجنبية بعد العاشر من الشهر الجاري. وكانت السفارة الروسية في بيونغ يانغ قد أكدت الجمعة أن الخارجية الكورية الشمالية طلبت النظر في إجلاء موظفي البعثة الدبلوماسية الروسية وغيرها من البعثات الأجنبية من البلاد، كما أعلنت خارجيتها أن الوضع في كوريا الشمالية يتطور باتجاه خاطئ، وأعلن وزير الدفاع الأمريكي تشاك هاغل في ذات اليوم أن جزءا من الجنود الأمريكيين في أوكيناوا اليابانية سينتقلون إلى جزيرة غوام. من جانبه أكد فيديل كاسترو زعيم كوبا السابق أن الولاياتالمتحدة أيضا تتحمل المسؤولية في شبه الجزيرة الكورية، داعيا قيادة كوريا الشمالية إلى التمسك بالتزاماتها أمام غيرها من الدول والحيلولة دون نشوب حرب شبه شاملة تؤثر على حياة أزيد من 70٪ من سكان العالم.