تعقد حركة مجتمع السلم مؤتمرها هذا الخميس وسط انشقاقات كبيرة شهدها تيار الإخوان في الجزائر بعد الانتخابات التشريعية، حيث مني التيار المنتمية إليه بهزيمة نكراء لم يكن يتوقعها، وكان فيها الاستثناء الوحيد بعد صعود التيار الإسلامي في كل من مصر وتونس وليبيا بعد ثورات الربيع العربي. مؤتمر حركة حمس سيحاول جمع شتات تيار الإخوان وإعادة هيكلته تحسبا للمواعيد القادمة، خاصة بعد الاتفاق بين أبو جرة سلطاني وعبد المجيد مناصرة قبل فترة وترك الباب مفتوحا أمام القيادات المنشقة. الاتفاق الذي عقد بين أبو جرة سلطاني ومناصرة أعاد طرح الكثير من الأسئلة حول مستقبل تيار الإخوان في الجزائر، ودورهم في الحراك السياسي المنتظر في الرئاسيات المقبلة، فإسلاميو الجزائر يعتقدون أنهم الورثة الشرعيون لكرسي الحكم، وأن دورهم في تولي الأمور قد حان ما دام حراك الشارع العربي قد أفضى إلى تسلم الإسلاميين لدفة القيادة في أكثر من بلد عربي، لكن العارفين بخبايا إدارة اللعبة السياسية في الجزائر يعتقدون أن الأمور لن تكون بالسهولة التي يتصورها تلامذة نحناح. ربيع غير مزهر بتشكيلات سياسية إسلامية جديدة رغم أن السلطة السياسية كانت قد أوقفت منح التراخيص للتشكيلات السياسية الجديدة، لكنها صادقت في ظرف قياسي على منح ترخيص لست تشكيلات سياسية جديدة محسوبة على التيار الإسلامي، غالبيتها فرختها جماعة الإخوان و3 منها انحدرت من حركة مجتمع السلم الممثل الرئيسي لتيار الإخوان في الجزائر. فجبهة التغيير التي يرأسها الوزير الأسبق للصناعة، عبد المجيد مناصرة، كانت قد أعلنت انضواءها تحت عباءة الإخوان وقال رئيسها ”نحن أكثر تمثيلاً لمدرسة الإخوان”، ليس كتنظيم عالمي، وإنما كأفكار، وهي الشرعية التي تنازعت بشأنها حماس والتغيير، وحاولت أن تضرب بقوة في الانتخابات التشريعية السابقة استنادا إلى هذه الشرعية، وكان فوز الإسلاميين بالنسبة إليهم تحصيل حاصل وحقيقة أفرزها الربيع العربي، والكثير من الأفراح المبكرة تم إطلاقها في بيت حركة حمس. لكن رياح التغيير والربيع لم يكن مزهرا كما تمناه تيار ”إخوان التغيير”، حيث بدأت انشقاقات جديدة في الحزب الذي نشأ حديثا وتحدث البعض عن تمرد مناصرة على خط الإخوان والتعليمات التي أعطيت له من طرف المرشد العام في القاهرة. وبقدر ما عمّقت أزمة التغيير وحمس مشكلة الإسلاميين الذين فقدوا الكثير من قواعدهم نتيجة مشاركتهم السلبية في السلطة، والأزمة الأمنية وما خلفه شعار تظيف الدين في السياسة في البلاد، لكنها أيضا من جهة أخرى عمقت الأزمة التمثيلية والقيادية للإخوان في الجزائر، وعجزت عن إيجاد بديل لنحناح الذي كان يتوفر على قدر كبير من الكاريزما والدهاء السياسي، ربما لهذا لجأت قيادة الإخوان في مصر إلى سحب البساط من مناصرة وأبو جرة، مرجحة خيار مصطفى بلمهدي وتكليفه بتأسيس حزب جديد ”حركة البناء الوطني”. ورغم أن بلمهدي أنكر في تصريحات إعلامية أي مرجعية أو صلة له بإخوان مصر، لكن حسب متابعين ومصادر مقربة فإن قيادة الإخوان تبنت شخص بلمهدي على اعتباره رفيق درب الشيخ محفوظ نحناح، وأحد وجوه العهد السري لنضال الحركة الإسلامية، ومن الوجوه ”غير المحروقة” سياسيا وإعلاميا، وهذا من شأنه أن يمنح للإخوان مساحة أكبر للعب في الساحة الخلفية للجزائر، ويعطيها كل الوقت في إعادة بناء فرع الإخوان من القاعدة بعد سحب البساط من تحت أقدام حمس والتغيير. إخوان مصر والنفخ في رماد إخوان الجزائر مهمة بعث تيار الإخوان من جديد في الجزائر تم إسناده إلى 14 شخصية من الكوادر السابقة في الحركتين، التغيير وحمس بحسب عبد العزيز حريتي أحد أبرز المؤطرين للحزب الجديد، وقد أعلنت الشخصيات المعنية استقالتها من الحركتين، وهذا بدعم وتوجيه من جماعة الإخوان في القاهرة. وإضافة إلى مصطفى بلمهدي تم الحديث عن شخصيات غير متداولة إعلاميا وتتوفر على قدر من التحفظ أو ما يعرفون بجنود الخفاء على اعتبار أن أغلبهم كانوا قياديين وأعضاء مركزيين في التغيير وحماس أمثال عبد الحميد مداود والطيب عزيز. انتماء الهيئة الجديدة إلى تيار الإخوان جاء حسب حريتي بناء على طلب من المرشد العام لتنظيم الإخوان المسلمين، الذي رأى أنه من غير المعقول أن ”يبقى التنظيم من دون تمثيل في الجزائر”، مشترطا على كل من يريدون الالتحاق بهذه الهيئة الاستقالة من حركتي سلطاني ومناصرة، مما يعني أن دور حماس قد انتهى من اللعبة السياسية منذ إعلانها الانخراط في الحكم، خاصة وأن تيار الإخوان يرى أن الجماعة المتخاصمة داخل حمس انحرفت عن مبادئ تيار الإخوان، وتم تكليف الجماعة الجديدة بمهمة ”تجميع قوى التيار وتبليغ وشرح فكره وفق المنهج الصحيح”، لأن القيادة العامة ترى أن ”عدم الفهم والجهل بفكر الإخوان هو الذي أدى إلى حدوث هذا التصدع في صفوف إخوان الجزائر”. السلطة و”ورقة الإخوان” منطق رابح-خاسر تساهل السلطة السياسية في البلاد مع تيار الإخوان والسماح لهم بتشكيل أحزاب وهيئات سياسية يرى فيه البعض خيارا مدروسا من طرف السلطة في الجزائر، يهدف إلى تجميع أتباع التيار ووضعهم تحت الرقابة ومجهر المتابعة، حتى تسهل مهمة السيطرة عليهم، حيث تدفع بهم إلى الانغماس في اللعبة السياسية بل المشاركة في إدارتها بكل مؤامراتها بهدف الانتقاص من مصداقيتها لدى أتباعها في الشارع الجزائري، خاصة وأن الجزائريين يحتفظون بتجربة سيئة للممارسين باسم الدين. ويرى المتتبعون للشأن السياسي أن هذا التيار تلزمه سنوات طويلة وشاقة من العمل حتى يعيد بناء واستعادة ثقة الشارع الجزائري الذي يعيش عن قرب تجارب الحراك العربي وما أسفر عنه حكم الإسلاميين في مصر وليبيا وتونس. فقد سبق لمدير مركز ”أمل الأمة للبحوث والدراسات الإستراتيجية عبد العزيز حريتي أن استبعد في تصريحات سابقة أن يكون للحزب الجديد أي دور سياسي في الوقت الراهن”، وإن كان لم يستبعد مشاركة أعضائه كأفراد في الاستحقاقات الانتخابية القادمة. يرجع البعض تعثر مسار التيار الاخواني في الجزائر خاصة بعد الراحل محفوظ نحناح الذي كان يتوفر على قدر كبير من الحنكة والكاريزما اكتسبها من عهد السرية والسجون بطريقة لا يعرفها الجيل الذي تربي في الصالونات، كما يرجعها البعض إلى مبالغة أتباع هذا التيار في الانبطاح للسلطة وتبني كل خياراتها، وفي بعض الأحيان تقديم المصالح الشخصية على مصالح الجماعة. فقد سبق لجماعة ”الدعوة والتغيير” التي أعلنت عن نفسها، كجناح منشقّ عن ”حمس”، وصفت قبل ثلاث سنوات بأنها التيار العقائدي للحركة الأم وتحظى بدعم المرشد العام وتزكيته ضد حماس أن قدمت دعما غير مشروط عبر كتلتها النيابية- لتعديل الدستور وتزكية بوتفليقة في لعهدة ثالثة رغم أن السلطة يومها كانت قد أغلقت جميع الأبواب في وجه المنشقين عن حمس. يربط الكثير من المتتبعين بين رياح الربيع العربي التي اجتاحت عدة أقطار عربية وبين اعتماد المزيد من الأحزاب الإخوانية في الجزائر، فأصحاب الحل والعقد في الجزائر وجدوا أن اعتماد ”حركة البناء الوطني” يخدم السلطة أكثر مما يضرها، وأن المنع غير المبرر يمكن أن يمنح مصداقية أكبر لإتباع التيار الذين يتغذون لوجستيكيا من الخارج، ويستمدون مصداقيتهم من حجم التضييق الذي يتعرضون له في بلدانهم ويدفعهم للعب دور ضحايا النظام لكسب ود الشارع. وهذا قد يضع السلطة في موقف حرج ويجعلها في مواجهة أزمات هي في غنى عنها، خاصة وأن طوقا ”إسلاميا” ضرب على دول الجوار من ليبيا إلى تونس وحتى المغرب. لكن إلى متى تبقى لعبة القط والفار بين النظام وتيارات الإسلامية صالحة لإدارة اللعبة السياسية في البلاد؟ سؤال قد تجيب عنه الاستحقاقات القادمة. لكن المؤكد في الأمر أن التجربة أثبت أن السلطة قد سجلت ما يكفي من الأهداف في مرماها بشكل جعلها فاقدة لأية مصداقية تجعلها قادرة مستقبلا على لعب دور حقيقي، والأكثر من هذا حسمه لصالحها.