لم يعد هناك مجال للشك أن الضربة الموجهة إلى سوريا صارت وشيكة، فبعد سبابة باراك أوباما المهددة، جاء الرئيس الفرنسي أمس، ليؤكد هذا الخيار الأمريكي، نعم الخيار الأمريكي، لأن أوروبا لم تعد لها مواقف مستقلة منذ سنوات. فهي مجرد أصوات مرددة في جوقة تقودها أمريكا. هولاند قال أمس إن هناك ردا على الجريمة الكيميائية في سوريا، وهو نفس الكلام الذي هللت له أمس، صحيفة ”لوموند” الفرنسية، التي فشل فريقها الصحفي في مهمة التفتيش التي قام بها منذ أشهر في سوريا بحثا عن آثار الكيميائي على ضحايا سوريين. وها هي ”لوموند” الصحيفة الفرنسية العملاقة تقرع طبول الحرب مستندة في ذلك إلى ما قالته صحيفة ”التايمز” البريطانية. ”لوموند” و”التايمز” تحرضان حكومتيهما على التدخل العسكري في سوريا دفاعا عن الشعب السوري، وانتقاما للأطفال ضحايا الكيماوي، مع أن تحقيقات الأممالمتحدة لم تفض إلى نتيجة بعد، و”الواشنطن بوست” الأمريكية استبعدت أن تكون الحكومة السورية وراء القصف الكيماوي في الغوطة. كل هذه الفوضى الحاصلة في الشانزليزيه والبيت الأبيض، والعشرة دوانينغ ستريت عشناها قبل اليوم، عشناها منذ أزيد من عشر سنوات، عندما قرر بوش الابن حماية العالم من خطر الكيماوي العراقي، وتبعه توني بلير، لكن وقتها الموقف الفرنسي كان أكثر حكمة، ولم ينقد الرئيس شيراك وراء جنون بوش، لأنه استخلص الدرس من مشاركة فرنسا في الحرب على العراق سنة 1991، وخرجت صفر اليدين من الغنيمة. الضربة إذن صارت وشيكة، وقالها الرئيس الأسود، إنها ستكون خارج قرار الأممالمتحدة مثلما كان ذلك في العراق سنة 2003، وقبلها سنة 1991. لا يهم إن كانت أوروبا وأمريكا تعانيان من أزمة اقتصادية، فضربة سوريا لن تكلفهما شيئا، لأن العربية السعودية مستعدة لدفع كل فواتير هذه الحرب، ونفس الموقف تؤيده ضرتها قطر، فكلهم أجمعوا على تفتيت سوريا، لا لشيء إلا لأنها العمق الاستراتيجي لحزب الله الذي يهدد إسرائيل، ولإيران العدو التقليدي للمملكة التي تريد أن تبقى مرجعيتها السنية الوحيدة التي يحتكم إليها العالم الإسلامي، ولا بأس أن تتناقض المملكة في مواقفها، تحارب الحكم الإخواني في مصر وتقدم الملايير للجيش جزاء له على عزل مرسي، وتؤيد من جهة أخرى الثوار الإخوان والسلفيين في سوريا لإسقاط الأسد! هولاند قال إن حربا أهلية في سوريا تهدد السلام في العالم، فإن كان التهديد السوري يمس العالم كله، فليكن، لأن المصيبة إذا عمت خفت، ولماذا وحده العالم العربي الذي يدفع فاتورة حروب يخطط لها في البيت الأبيض وينقذها المال السعودي والقطري؟! فلتكن الحرب العالمية الثالثة، حتى وإن كان العالم العربي سيخرج مشتتا مفتتا إلى قبائل وفرق ويعود إلى العصر الحجري، مثلما وعد بوش بذلك صدام، ومثلما وعد قبله هنري كيسنجر الملك فيصل. ما نعيشه اليوم ما هو إلا مرحلة من مراحل المؤامرة.