أكدت عدة تقارير دبلوماسية من عمان أمس أن المملكة العربية السعودية قامت بإرسال عتاد حربي وأسلحة إلى عناصر الجيش السوري الحر عبر الأراضي الأردنية، وأشارت إلى أنها تهدف إلى ''وضع حد لعمليات القتل التي يتعرض لها السوريون من طرف قوات الأمن السورية''. ويأتي الكشف عن هذه الشحنات أياما فقط بعد تصريحات وزير الخارجية السعودي، الأمير سعود الفيصل، بمشروعية كل مسعى ''لتسليح السوريين لتمكينهم من الدفاع عن أنفسهم''. وإذا تأكدت مثل هذه الأخبار؛ فإن ذلك سيكون بمثابة المنعرج في الأزمة السورية وفي طبيعة المواجهة المتأججة بين قوات الأمن السورية وعناصر الجيش الحر المنشقين عن الجيش النظامي في الأشهر الأخيرة. كما أنه قرار سيمهد الطريق أمام دول أخرى للإقدام على نفس الخطوة، خاصة وأن دولة قطر كانت من السباقين إلى الدعوة إلى مثل هذا الخيار بمبرر تمكين المعارضة السياسية من الدفاع عن نفسها في وجه قوات الأمن. ودافعت الرياض والدوحة عن بديل المقاومة المسلحة وإخراجها من إطارها السلمي داخل الجامعة العربية في وقت تباينت فيه مواقف دول مجلس الأمن الدولي التي رأى بعضها أن ذلك سيكون خطرا قد يهدد الوحدة السورية على اعتبار أن المواجهة العسكرية ستدخل هذا البلد في دوامة حرب أهلية لا أحد بإمكانه توقع تبعاتها. ويمكن ربط القرار السعودي باستعدادات مماثلة على علاقة بمثل هذا التحول عندما قررت السلطات التركية إقامة منطقة عازلة على طول حدودها الدولية مع سوريا بقناعة تسهيل فرار السوريين الخائفين على حياتهم وأعراضهم من بلوغ هذه المنطقة حماية لأنفسهم. وأيضا بعد قرار اتخذته دول مجلس التعاون الخليجي بشكل جماعي قررت من خلاله غلق سفاراتها في سوريا في محاولة لممارسة ضغوط إضافية على الرئيس بشار الأسد والدفع به إلى مغادرة كرسي الرئاسة في دمشق. ويمكن القول إن إرسال شحنات الأسلحة إلى الجيش السوري الحر الذي فر عناصره من الجيش النظامي بحجة رفضهم المشاركة في قتل ذويهم سيكون نقطة التحول في المعادلة الأمنية في سوريا التي دخلت أمس عامها الثاني وبريق الأمل في إنهائها يتضاءل من يوم لآخر. وانقسمت مواقف أجنحة المعارضة السورية التي حذر بعضها من مغامرة غير محسوبة النتائج على أهداف حراك شعبي بدأ سلميا بينما أيدته أطياف المعارضة الموجودة في الخارج بقناعة أنه السبيل الوحيد لجعل النظام السوري يوقف عمليات إبادته للمدنيين السوريين وخلاصهم من المأساة التي يعيشونها منذ 15 مارس من العام الماضي. ودون الخوض في مشروعية موقف هذا الطرف أو ذاك فإن المؤكد أن سوريا مقبلة فعلا على مأساة ستفوق في بشاعتها تلك التي عاشها الشعب الليبي طيلة ثمانية أشهر من اقتتال بين الإخوة الأعداء وأدى إلى خراب ليبيا وفتت شعبها وطبيعة نظامها. والقول بهذا الاحتمال التشاؤمي إنما أملته طبيعة المجتمع السوري وموقع سوريا الجيو استراتيجي في منطقة هي أكبر منطقة استقطاب في العالم وظهر ذلك جليا من خلال مواقف الدول الكبرى المؤيدة لهذا الطرف على حساب آخر. وهي الحقيقة القائمة حاليا وأكدها المنحى الذي أخذته الأحداث في الأسابيع الأخيرة عندما دخلت السيارات المفخخة إلى مشهد دام وأصبحت الشغل الشاغل لملايين السوريين الذين سكنهم الخوف وأصبحوا يخشون على حياتهم من كل سيارة مركونة في زاوية هذا الشارع أو ذاك. والحقيقة الأخرى أن الإقدام على تسليح المعارضة السورية سيعيد الجهود الدبلوماسية التي باشرها كوفي عنان إلى نقطة البداية بعد أن تعيد دمشق النظر في مواقف التعاون التي أبدتها إلى حد الآن وسيكون لروسيا موقف آخر من تطورات أوضاع دولة تعتبرها حليفها الاستراتيجي في المنطقة العربية.