”الحلم الصيني”! هذ المصطلح الجديد الذي سيردده العالم لسنوات، مثلما ردد، وحلم لعقود، مع ”الحلم الأمريكي”، قبل أن تتحول هذه العبارة إلى كابوس يقضّ مضجع العالم. الحلم الصيني، هو المحفز الذي جاء به الرئيس الصيني الجديد شي جينبينغ كدافع لحركة تجديد في هذا البلد العملاق، ليس فقط ليسرق الأضواء من الحلم الأمريكي، ويعطي للقارة الكبرى هي الأخرى حلمها، والذي في الحقيقة بدأ تحقيقه منذ سنوات، لما غزت المنتوجات الصينية، وتكنولوجيتها كل المعمورة. احتفلت الصين أول أمس، بالعيد ال64 للثورة الكبرى، والمسيرة التي قادها ماو تسي تونغ إثر الحرب العالمية الثانية، وما عانته بعدها الصين من مجاعات وأوبئة إلى درجة صار سكانها يأكلون موتاهم. قبل 40 سنة كتب الديبلوماسي والكاتب الفرنسي، ألان بيرفيت، كتابه النبوءة، ضمّنه مجموعة أفكار وتنبؤات عن الصين التي كانت تعيش وقتها العزلة والانغلاق على يد ماو تسي تونغ. الكتاب حمل عنوان ”إذا نهضت الصين سيرتعد العالم”، المقولة المنسوبة إلى نابليون بونابارت. جاء فيه أنه بالنظر لعدد سكانها وإنجازاتها العلمية والتكنولوجية ستغزو المنتوجات الصينية يوما ما العالم. وها هي اليوم الصين لم تكتف بالنهوض فقط، بل هي تمد أرجلها وأذرعها على كافة المعمورة، وتغرق منتوجاتها كل أسواق الكون، فلا يخلو اليوم بيت من منتوجات صينية، حتى أمريكا نفسها تستهلك صينيا، وتلبس صينيا، وأجبرتها الصين على فتح أسواقها لمنتوجاتها دون شروط. أما الحلم الصيني الذي رفعه الرئيس الصيني شعارا جديدا فيعني تفاني المرء لرفاهية الأسرة والدولة والعالم، ويعني تطلع الصينيين لحياة أفضل، انتهى زمن الزي الموحد، وزمن العدوان التاريخي على شعوب هذا البلد، الذي رغم أنه يبقى من أعرق الدكتاتوريات اليسارية في العالم، فتح مع الرئيس شي مرحلة تجديد دعا فيها كل الصينيين إلى المشاركة في هذا الحلم، ودعاهم للكتابة على جدرانهم كيف يرون حلمهم، وما هي الطريقة التي تمكنهم من تحقيقه، ودعت الأكاديميات والجامعات الصينيين لطرح مقترحاتهم لتحقيق هذا الحلم، وأكثر من ذلك باشر تلاميذ المدارس الصينية، هذه السنة، الموسم الدراسي بعرض برنامج تلفزيوني حول الحلم الصيني ”حلمي حلم الصين”. كل هذا لترسيخ - في ذهن الصيني - التحدي الذي رفعته بلادهم، أمام القوى الأخرى، ولا شك أن النتيجة ستكون اكتساحا أصفر للأرض والفضاء. وسنحضر كتابة حقبة جديدة من تاريخ البشرية، لن يكون فيه لأمريكا وحدها الكلمة العليا. لكن أين نحن العرب من أحلام الأمم؟ فبقدر الثراء التي تتميز به بلداننا بقدر ما نحن نسير عكس سير البشرية. فقد بينت انتفاضات الشعوب العربية في الكثير من العواصم، أننا شعوب لا تعرف الحلم، مع أنها تغط في نوم عميق، شعوب تحسن الهدم وسفك الدماء، والتآمر على بعضها البعض. فهل لو كانت المملكة السعودية تملك أحلاما شبيهة بأحلام الأمم الأخرى، ستتآمر على الشعوب الإسلامية وتخطط لتدمير بنيانها وعقول شبابها بالفكر الظلامي؟ ولو كان لدويلة قطر مشروع ديمقراطي مثلما تدعي، هل كانت ستزرع السلاح والموت في البلدان العربية التي قادت بها انقلابات وفتن؟ حتما سيتحقق الحلم الصيني، بل الأحلام الصينية، لأن الحلم الصيني لم يتوقف منذ مسيرة الزعيم ماو، وستحقق الشعوب الأخرى أحلامها، ولن نكون نحن العرب إلا وقودا لمحركات هذا الحلم، الذي سيمر على أجسادنا وليس فقط على تراب بلداننا؟!