تغص الساحة في الوقت الراهن بالعديد من التساؤلات والتكهنات، ولعل أبرزها: هل سيتخلى الرئيس أوباما عن إسرائيل من أجل إيران؟.. وهل سيترك الرئيس أوباما تحالفاته مع الدول الخليجية لأجل إيران؟.. وهل ستغير الولاياتالمتحدة سياستها نحو المنطقة ككل؟.. وهل سنشهد تغييرات أخرى؟ هذه الأسئلة نطالعها في المقالات ونسمعها تتردد بشكل يومي منذ الاتفاق الذي توصلت إليه إيران والقوى الغربية ممثلة في الدول الخمس الدائمة العضوية في مجلس الأمن إضافة إلى ألمانيا، بشأن البرنامج النووي الإيراني في جنيف الأسبوع الماضي. يهدف الاتفاق إلى مراقبة العمل والتخصيب الذي يجري في البرنامج النووي الإيراني لستة أشهر، بينما تتواصل لقاءات المفاوضين سعيا وراء التوصل إلى اتفاق أكثر صلابة وديمومة. وهناك الكثير الذي يمكن تقديمه لإيران لإنجازه خلال الأشهر الستة للتوصل إلى اتفاق نهائي، لكن الاتفاق الحالي يسمح للأطراف المشاركة في المفاوضات بالحصول على مزيد من الوقت حال حاجتهم لذلك. وعلى الرغم من أن إيران لا يزال أمامها طريق طويل كي تثبت سلمية برنامجها النووي، فإن الولاياتالمتحدة لا تزال تتحكم في العقوبات النفطية والمصرفية الأساسية التي فرضتها. ما التزمت به إيران في الاتفاق فاق التوقعات، فقد وافقت على وقف تخصيب اليورانيوم بنسب عالية، وكذلك التوقف عن تركيب عدد من أجهزة الطرد المركزي أو بناء منشآت جديدة. لا يقف الاتفاق على أرض صلبة حتى الآن نتيجة لتهديدات الكونغرس بتطبيق عقوبات جديدة على إيران، وسخط المتشددين في إيران تجاه المفاوضات وسعيهم لإيجاد عذر لتعطيل المحادثات برمتها. مثل هذه الحالة الهشة تشكل ضرورة بالنسبة للإدارة الأميركية والحكومة الإيرانية للعمل بشكل أكثر جدية للتوصل إلى اتفاق شامل. من جانبها، تسعى الولاياتالمتحدة بقوة إلى التأكد من أن المنشآت النووية الإيرانية لم تعد تستخدم لتطوير أسلحة نووية. لكن الاختلاف بين كل من وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف ووزير الخارجية الأميركي جون كيري في تفسير ما اتفق عليه الجانبان يظهر احتمالية أن كلا منهما يحمل أفكارا مختلفة لهذا الاتفاق والتعقيدات في الأيام المقبلة. وقد رد محمد جواد ظريف على أسئلة نواب البرلمان الإيراني عن هذه التفسيرات المختلفة لتصريحاته وتصريحات كيري بشأن حق إيران في تخصيب اليورانيوم لدى حضوره جلسة البرلمان التي عقدت يوم الأربعاء، بأن التصريحات الأميركية “عبثية”. وأوضح ظريف أن الفصل الرابع من معاهدة منع الانتشار النووي، الذي ينص على حقوق الدول الأعضاء في امتلاك منشآت الطاقة النووية السلمية، كان الأساس في تفسيره بأحقية الدول الأعضاء في تخصيب اليورانيوم لتلبية احتياجاتهم. قبل الاتفاق كانت إيران تملك كمية كافية من اليورانيوم الذي جرى تخصيبه بمستويات منخفضة وأجهزة طرد مركزي قادرة على إنتاج وقود لصنع سلاح نووي، في غضون شهر أو شهرين، وفقا لدراسة أجراها معهد العلوم والأمن الدولي. وستضطر إيران الآن بعد الاتفاق إلى خفض درجة تخصيب مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المائة، والذي يصل إلى 200 كيلوغرام، إلى مستوى لا يمكن معه تخصيبه لمستوى أعلى ووقف التخصيب بنسب أعلى، وربما تفكيك مفاعل الماء الثقيل الذي تبنيه إيران بالقرب من مدينة آراك، القادر على إنتاج البلوتونيوم لصنع الأسلحة، أو تحويله إلى مفاعل للماء الخفيف ليكون غير قادر على تطوير أسلحة نووية. إذا تواصلت هذه الإنجازات ولم تخرق إيران الاتفاق لأي سبب، فسوف نشهد جميعا إنجازا في مجال الأمن العالمي. اكتسب المتشددون في إيران قوة أكبر بسبب العقوبات والعزلة، التي استنزفت إيران، ويعود جانب من السبب في ذلك إلى البرنامج النووي والجانب الآخر لآية الله علي خامنئي المرشد الأعلى. اليوم، ورغم نفي وزارة الخارجية الإيرانية وجود قوات أو تدخلات في الصراع في سوريا، شاهد العالم كله لقطات لعناصر فيلق القدس (قوة العمليات الخارجية التابعة للحرس الثوري الإيراني) خلال وجودها في سوريا. وزارة الخارجية لم تقل سوى الحقيقة، لأن العناصر المتطرفة تعمل بشكل فردي من دون التعاون مع الحكومة. وإذا حققت الحكومة في إيران مكاسب أكثر قوة وتمكنت من الوصول إلى المجتمع الدولي، فسينحصر نفوذ وموارد المتطرفين ثم تتراجع مشاركتهم في الأحداث السياسية. تتمثل استراتيجية الولاياتالمتحدة في السيطرة على العديد من الميليشيات المسلحة في المنطقة والحد من وصولها إلى السلطة. ورغم أن الاتفاق الشامل مع إيران لم يتحقق بعد، فإن هذا الاتفاق المحدود مفيد بما يكفي لطمأنة البلدان المجاورة والمنطقة بأسرها، بأن تهديد البرنامج النووي الإيراني قد انتهى.