أمس، كان العالم يحتفل بيوم المرأة العالمي، وهو احتفال يعكس حسًّا إنسانيا بالأوضاع الصعبة التي تعانيها المرأة في عالم اليوم، ليس فقط من باب المعاناة الناتجة عن تدني مكانتها في المجتمع، وتردي أوضاعها الاقتصادية والمعاشية، وقلة مشاركتها في الحياة العامة، سواء في إطار إدارة المجتمع وأنشطته السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ولجهة هامشية حضورها في الأنشطة الثقافية والفكرية، وكل ذلك بعض محصلة الطبيعة الذكورية للمجتمع في واقعه الراهن، وما يفرزه ذلك من دور أكبر للرجال على حساب المرأة ودورها. وإذا كان الاحتفال بيوم المرأة هو إقرارا بالواقع المتردي للمرأة، فإنه أيضا تذكير بضرورة إصلاح الواقع بصورة جذرية بحيث تتحقق العدالة في الحياة، وتسود المساواة بين الرجال والنساء. والتردي العام في أوضاع المرأة في عالمنا المعاصر، يصبح مضاعفا في أوضاع نساء بعض دول العالم، خاصة البلدان التي تضربها ظواهر الفقر والمرض والتخلف، والأبشع مما سبق، يحصل في البلدان التي تطحنها الحروب والصراعات المسلحة من أجل مصالح متناقضة، حيث تنهار قيم وعادات وتقاليد، لتحل محلها القوة والعنف، وتنطلق الغرائز في أبشع صورها، وغالبا في الأحط منها، وهذا يترك أثره الشديد على النساء والأطفال بصورة أساسية، لأن القسم الأكبر من النساء ولأسباب ودواع كثيرة، يؤثرن على أنفسهن عائلاتهن ولاسيما الأبناء والإخوة والآباء والأزواج، فتكون حصتهن في الحياة والاحتياجات في تلك الظروف أقل بكثير مما يمكن أن تكون. وحالة السوريات اليوم قد تكون الأصعب في عالم اليوم، بل قد تكون أقسى الحالات التي مرت نساء العالم بها في التاريخ المعاصر. فبعد ثلاث سنوات من حرب النظام على السوريين، وخاصة النساء اللاتي اشتركن في الثورة على النظام وساهمن في فعالياتها، كانت حصة السوريات فظيعة في نتائج تلك الحرب، حيث عانت النساء من الاعتقال والقتل، بما في ذلك حالات القتل تحت التعذيب، ومن الانتهاكات بما فيها حالات الاغتصاب، ودفعت السوريات على دروب التشرد والهجرة واللجوء عبر العالم، وقدر لأعداد كبيرة من النساء العيش في مناطق محاصرة تحت القصف وفقدان الدواء والغذاء، وكلها أدت إلى موت نساء في ظروف خارجة عن التصور. ولم تقتصر معاناة السوريات على ما قام به نظام القتل والتدمير والتهجير، بل امتدت إلى معاناة أفرزتها النزعة المتطرفة، التي أطلقتها جماعات التطرف الديني من ”القاعدة” وأخواتها سواء ما وفد إليها وتمدد فيها، مثل دولة العراق والشام (داعش)، وما تأسس فيها وشارك فيه وافدون مثل جبهة النصرة، وقد أشاعوا قيما وسلوكيات جسدت اضطهادا مزدوجا للنساء، منعهن حتى من ممارسة دورهن الذي كرسوه في العمل العام في مواجهة النظام ودعم صمود المجتمع ضد آلة النظام وشبيحته، وأعادت قيم المتطرفين وسلوكياتهم في المناطق الخارجة عن سيطرة النظام حياة النساء إلى ما قبل الحقوق الأساسية للإنسان ومنها الحق في الانتقال والقول والعمل والحياة بصورة طبيعية، وبالمحصلة لم يكتف المتطرفون بممارسة أغلب سلوكيات النظام، وإنما أضافوا إليها ممارسات لا تقل بشاعة في انتهاك حق النساء في حياة طبيعية تحت واجهات ”دينية”. إن تردي حياة السوريات في ظل ما يحيط بالوضع السوري من صراعات وعنف لا يمثل نهاية المطاف. فما يصيبهن من معاناة، يبدو بلا حدود في قسوته ونتائجه الكارثية. فأغلب السوريات وجدن أنفسهن في مواجهة تحديات صعبة لم تكن تخطر لهن في وقت سابق، والأمر في هذا لا يقتصر على متابعة حياتهن في العمل والتعليم مثلا أو على إعالة الأسر ورعايتها في ظل غياب معيلها، فهذا أمر موجود وإن صار أكثر شيوعا وقسوة في ظل ظروف استثنائية، تكرس اليوم واقعا مريرا تعيشه السوريات، بات من الضروري ليس معالجته فقط، وإنما إعادة تطبيع حياة السوريات وكل السوريين!