نضال متعدد الأشكال، خاضته المرأة الجزائرية، إبان ثورة التحرير الوطني وقبلها، ولم تفوت فرصة المشاركة في الكفاح من أجل استرجاع السيادة الوطنية، وكانت مظاهرات 8 ماي 1945، التي يسترجع الجزائريون ذكراها اليوم، واحدة من أبرز مراحل التصدي للاحتلال، وتحول مفصلي في مسار النضال المرير الذي مهد لإعادة النظر في طرق وأساليب مجابهة الاحتلال الفرنسي. ساهمت المرأة بشكل فعال في المسيرات الشعبية التي رفعت فيها ولأول مرة العلم الوطني في العديد من مناطق الوطن، من العاصمة إلى عنابة وسطيف وقالمة وخراطة ووهران وتبسة وغيرها، حيث لم تقتصر المشاركة على حشد الهمم أو حياكة الأعلام الوطنية وتوزيعها عبر الكثير من مناطق الوطن، بل نزلت إلى الشارع جنبا إلى جنب مع أخيها الرجل في مسيرات شعبية مطالبة فرنسا، الوفاء بوعودها التي قطعتها للجزائريين، بعد مشاركتهم إياها في عملية تحرير فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية، حيث كان أفراد الكشافة الوطنية يرددون الأناشيد الوطنية والنساء تزغردن، بينما رفع الرجال الشعارات المطالبة بالاستقلال وباطلاق سراح المعتقلين السياسيين. فرنسا ومثلما جرت العادة جابهت المسيرات الشعبية السلمية بشتى أنواع القمع مرتكبة مجازر إبادة في حق المتظاهرين، وكان نصيب المرأة من هذا القمع أشد وأعنف، فبالاضافة إلى الاعتقالات التي طالت الجميع نساء كانوا او رجال وحتى الأطفال وحرق وقتل الكثير منهم، عمدت فرنسا إلى أساليب انتهاك الأعراض فلم تسلم النساء اللواتي أعتقلن، أو من كن في بيوتهن بل، بلغت وحشية الاحتلال حد بقر بطون الكثير من حرائر الجزائر، وكانت واقعة بقر بطون 14 إمرأة في قالمة، واحدة من الشواهد على همجية فرنسا الاستعمارية وانتهاكها لأبسط الحقوق المدنية والإنسانية. ذكريات أليمة تعود كل سنة حول التضحيات الجسام التي قدمها الرجال والنساء على حد سواء في سبيل التحرر من عتق استعمار لا يزال يوصف بأنه أبشع احتلال عرفه التاريخ الحديث، لكن نفس الذكريات الأليمة التي تستحضر سنويا هي في حد ذاتها عبرة ودروس لكل الأجيال المتعاقبة، تكشف مرة أخرى أن النضال النسوي وخلال حقبة الاستعمار الطويلة لم يستوف حقه من التذكير به، حيث أنه وعلى الرغم من الدور المحوري الذي لعبته المرأة في انطلاق شرارة الانتفاضة الشعبية في 8 ماي قبل 68 سنة، إلا أن صورا ناصعة وبارزة عن هذه الحقبة ونضال المرأة لم تبرز على النحو الذي يسمح بالوقوف عند البصمات التي تركتها المناضلة الجزائرية والمرأة عموما في هذه الحوادث بالذات، وهي التي تكون في واقع الأمر، قد عانت أكثر من غيرها من ويلات الاستعمار الفرنسي من قتل وتعذيب واعتداء على العرض وفقدان الأب الابن والأخ والزوج ومعاناة مع الحياة القاسية وسط ظروف معيشية صعبة للغاية. المرأة والمناضلة الجزائرية، التي صبرت وتحملت وضحت وقدمت نفسها قربانا للوطن وللحرية، ألا تستحق أن تنال حقها من الاستذكار والتعمق، في كفاحها الطويل ومساندتها القوية للثوار والمجاهدين، وأن يؤرخ لهذا النضال بكثير من الاهتمام والواقعية، حتى تكون نبراسا لبني جنسها وللفتيات على وجه التحديد.