ها هو الرئيس المرشح عبد العزيز بوتفليقة يوجه صفعة مدوية لرئيس المجلس الدستوري ويعترف بأنه مريض، وبالتالي يوقع مدلسي في خطأ فادح بقبوله ملف رجل عجوز مريض، غيبه المرض عن أداء مهامه الدستورية شهورا طوال. كان بالإمكان ألا نعير أدنى اهتمام لرسالة بوتفليقة التي وجهها عشية انطلاق الحملة الانتخابية، لولا أنها أوقعت صاحبها، أو بالأحرى المنسوبة إليه، في تناقضات وعرت الوجه الحقيقي لمحيطه الذي أمضى شهورا يقسم بأغلظ الأيمان بأن الرئيس بصحة جيدة وبأنه قادر على قيادة البلاد. الرسالة لم تكن موجهة للجزائريين بقدر ما هي رد على رسالة الرئيس السابق اليامين زروال التي أربكت محيط الرئيس، وأخلطت أوراقهم، لأنهم يدركون وزن الرجل، ومكانة كلمته وسط دوائر القرار. قلت منسوبة إلى الرئيس، لأني أدرك أن بوتفليقة لم يقرأ وربما لم يسمع حتى بالرسالة التي وجهها زروال إلى الشعب الجزائري، ومن خلاله إلى الرئيس المرشح الذي شكك في قدرته على تحمل مسؤولية البلاد، بسبب ظروفه الصحية، ولذلك خص كاتب الرسالة زروال بقوله إن مرضه لا يقف حاجزا أمام أداء مهامه. فلو قرأ بوتفليقة رسالة زروال لأعاد حساباته وربما لانسحب من سباق مكشوف تحيز الإدارة فيه لصالحه، فقد كشفت رسالة زروال مفارقات واسعة بين الرجلين، وبوتفليقة لا يقبل أن يخرج صغيرا من هكذا مقارنة. الرئيس المرشح قال إن ”الصعوبات الناجمة عن حالتي الصحية الراهنة لم تثنكم عن الإصرار على تطويقي بثقتكم”، ألم تصله أخبار بأن آلاف المعارضين لعهدة الرابعة خرجوا عشرات المرات عبر كل التراب الوطني منددين بفرض رجل مريض على الجزائريين. نعم آلاف الجزائريين يريدون منك أيها الرئيس المرشح المريض أن ترتاح في بيتك، واترك أمر الجزائر، فللكعبة رب يحميها مثلما كنت تردده دائما، فالبلاد التي لا تستطيع الوقوف على رجليها إلا باعتمادها على رجل مقعد، لا خير فيها. نعم التحدي اليوم هو أخطر من تحدي تقرير المصير، الذي عاشه الشعب الجزائري سنة الاستقلال، فوقتها كان عدونا واحد، هو فرنسا، واليوم تعددت وجوه الخونة، ومنها العصابة التي تحيط بكم، والتي تريد مواصلة نهبها للبلاد والسطو على إرادة الشعب من ورائكم، بعدما تسترتم على فسادها كل سنوات حكمكم. التحدي بالنسبة لنا هو كيف نخلص البلاد من مخالب الفساد الذي غرقت فيه البلاد، ووعودكم بأنكم ستعيدون المال المسروق في عهدتك المقبلة هو ضحك على الذقون. فما دمتم تعرفون أن هناك أموالا مهربة، لماذا سكتم كل هذا الوقت، ألم توقفوا مذكرة ملاحقة أحد لصوص محيطكم شكيب خليل وأقلتم وزير العدل معاقبة له لأنه تجرأ ورفع دعوى؟ لتسترح يا رجل، ولترح البلاد. ألا يكفيكم كل هذا الدمار المحيط بكم، ألا تكفي جرائم غرداية، وقبلها القبائل، ومناطق الجنوب، كل يوم نسمع أن كرة النار بدأت تكبر وتكبر، ومن يدري متى تصل إلى كرسيكم؟ عائدون من باتنة رووا الغضب الساطع الآتي من هناك، وقالوا إن مناطق الشاوية لا تنبئ بخير. فهل وضعتم هذا في حسبانكم؟ الشاوية ليس بن فليس، ولا بلعيد، الشاوية هي كل الجزائر من الشرق إلى الغرب، أولئك الذين سمعوا كلام وزرائك وفهموا ماذا يمثل الشعب البسيط في نظرهم، يشتمونه كيفما شاؤوا وليس هناك من يحرك ساكنا، فالكل يدور في فلككم، عدالة وأمن ومخابرات وجيش، كلهم مستفيدون من عهدكم وغارقون في نعمكم. رسالتكم سيدي الرئيس المرشح أبكتني، ليس لأنكم تجهدون نفسكم لخدمتنا، بل لأنها تعطي صورة قاتمة لما وصلت إليه هذه الجزائر المسكينة وما لحقها من هوان في عهدكم. هنيئا للسعيد بإرثكم وبالتوريث في زمن كثر فيه الخصيان والجواري؟!